مطار هولير ومعبر سيمالكا والطرقات التي توصل الزائر إلى مدن غرب كوردستان، مثل قامشلو وديركا حمكو وغيرهما، ليست إشكاليات مهمة مقارنة بالقضية القومية والصراع مع الأعداء، لكنها مع ذلك واجهة الإقليم الكوردستاني الفيدرالي، والإدارة الذاتية، تعكس إلى حد ما ثقافة الشعب، وسيماء حكومتهما، ونوعية السلطة فيهما، وتبين الواقع الإداري - السياسي المزري وكارثية البنية التحتية. فهي كجميع المعابر في العالم، يحصل القادم من خلالها على حقيقة ما هي عليه الدولة وأسلوب نظامها، وما سيلاقيه في إداراتها وشوارعها.

وللأسف، معظم الذين يعبرونهما من الأجانب والكورد بشكل خاص، يكونون انطباعات سلبية في معظم النواحي، والأغلبية تكره العودة ثانية لولا الحاجة الماسة، وخصوصاً شعبنا من غربي كوردستان، ممن لا معبر لهم دون المطار وسيمالكا، وما يزيدهم ألماً واقع غرب كوردستان بشكل عام.

يتحدثون عن معاملة الموظفين في المطار والجانب الشرقي من معبر سيمالكا، والتي تعكس ثقافة اجتماعية تكاد أن تكون خالية من السمات الحضارية والقيم الكوردستانية المعروفة بكرم الضيافة وحسن اللقاء، إذ بالعكس، تستقبلهم الخدمات المتدنية، وبيروقراطية الأوراق، والغلاظة عند تفتيش الحقائب، بغض النظر عن ضرورات الحرص والأمان، والتي لا بد منها لكن بالإمكان القيام بها مترافقة مع حسن الاستقبال والضيافة. والمعاملة هي ذاتها أثناء الخروج أيضاً، وهناك من يتحدث عن أشباه المافيا في تقديم المواصلات ما بين الباصات وشركة التاكسي.

في معبر سيمالكا، على الزائر الانتظار مدة طويلة في العراء، تمتد أحياناً لساعات، وهناك ضريبة الدخول الباهظة في المطار خصوصاً بالنسبة إلى العائلات الكوردية القادمة إلى غربي كوردستان والمؤلفة من عدة أشخاص، وهي ضريبة تدفع ثانية أثناء الخروج من سيمالكا. وثمة سلبيات أخرى كثيرة، وإن لا تحجب سعادة الكوردي بدخول إقليم كوردستاني، خصوصاً عندما يرى التطور العمراني، والسمات الكوردستانية التي يحلم بها كل كوردي، والتي تنسيه المعاملة الفجة في المعبرين، لكنه يعود ويصدم بخدمات المرافق العامة، ونظام الشوارع، والتعامل مع الإدارات والموظفين وغيرها.

لسعادتنا بكوردستاننا، وتطورها، ولئلا نعطي الأعداء ذريعة للتهجم عليها، وجدنا دائماً أن مثل هذه الحالات يجب التغاضي عنها، لأن إداراتنا ما زالت في طور التكوين، وعمرها الزمني حديث نسبياً مقارنة بالدول المحتلة والدول الأخرى، وهذه السلبيات والأخطاء ستزول مع الزمن، فهي لا شك من مخلفات الأنظمة الدكتاتورية المحتلة لكوردستان، ورجحنا أن معرفة كيفية إدارة الدولة ستأتي مع تراكم الخبرة وإعادة إحياء ثقافة الكورد التاريخية، لكن، للأسف، وبعد عقدين من الحرية والإدارة، لم تتغير السمات بل ظلت كما هي أو شهدت تطوراً بطيئاً مقارنة بالمطلوب لبناء الوطن وفق أسس ديمقراطية، ولا يتم بذل جهد في هذا الإطار ليرقى التعامل إلى السويات الحضارية التي تتناسب مع التطور العمراني، وتوسع العلاقات الدولية، والتعامل مع المجتمعات الحضارية.

كل من يزور غرب كوردستان يتحدث عن الفارق في المعاملة على طرفي معبر سيمالكا، ونسبة تسهيل الدخول والخروج من جميع النواحي، وحتى عن نوعية البناء الذي يوفر الراحة للمسافرين والقادمين، مع ذلك فحديثنا عن الإقليم الفيدرالي الكوردستاني والقدوة الكوردستانية، حيث رقي التعامل السياسي والمذهبية الصوفية الإنسانية، والثقافة التاريخية الكوردستانية، والتي بناء عليها يتوجب على الإدارتين، خصوصاً الإقليم الفيدرالي المتمكن مادياً، بناء جسر متطور كبديل عن معبر سيمالكا الحربي، المبني بأمر من الرئيس مسعود برزاني لخدمة شعبنا في روج آفا، المعاني من الويلات في بدايات الهجرة الكارثية.

سافر قبل فترة كاتب كوردي معروف من ألمانيا إلى قامشلو، وكان يحمل معه نسخاً من كتبه المنشورة وجلها باللغة الكوردية، هدايا لأصحابه. وإلى البيروقراطية التي واجهها في المطار، تم إيقافه في معبر سيمالكا ساعات للتنقيب في صفحات كتبه، دون أن يكون المراقب قادراً على قراءة ما فيها لأنها كتبت بالأحرف اللاتينية. وقد سئل تكراراً عما تتضمنه الكتب، إلى أن مر بعض المسافرين، وكانوا يعرفونه شخصياً، وبعضهم من خلال الإعلام ربما، وتحدثوا مع الموظفين بشأن هذه المعاملة غير اللائقة للكاتب، حتى تم السماح له بالمرور بعد الإرهاق والتعب، وهو في منتصف السبعينيَّات من العمر، دون أن يقدموا له قبلها ولا بعدها أي وسيلة للراحة أثناء تفتيش كتبه وحقائبه. وهنا نتحدث عن كتب وثقافة، أي كانت مضامينها، وليس عن حقائب قد تتضمن مواداً خطيرة.

يجب أن نعمل لنخلق من ذاتنا أمة حضارية، ونبين للعالم أن كوردستان، عندما تتحرر، ستكون دولة ديمقراطية عصرية، ذات ثقافة اجتماعية متطورة، بعكس الدول التي تحتل كوردستان، أو المجاورة لها، لنحصل على دعم دولي لقضايانا، وإلا فما هي الفوائد التي يمكن أن تحصل عليها الدول الكبرى من بناء كوردستان متخلفة كالدول الحالية التي تراعي مصالحها بكل أبعادها، وما هي الدوافع التي قد تقنعها لتساعدنا على تحرير دولة ستكون بعد استقلالها على شاكلة الدول المتخلفة في المنطقة. ألم تكن هذه من الأسباب التي دفعت بمعظم دول العالم إلى الوقوف ضد الاستفتاء الذي نظم في 25 أيلول 2017؟

من المؤلم القول إن كوردستان بأجزائها الأربعة، إذا ما ظلت تمضي قدماً بمسارها الحالي، ولم تحدِّث البنية الحزبية والسياسية الحالية، ولم تحاول إداراتها وأحزابها السياسية الكبرى، بمساعدة الحركات الثقافية، خلق طفرات التغيير والتصحيح والتحديث، فإنها ستأتي نسخة مشابهة للدول المسماة بالوطن العربي إذا ما تقاطعت مصالح الدول الكبرى على تحرير كل أجزائها.

إذا تمتعت عيناي بكوردستان حرَّة، ويكاد الأمر يكون بالنسبة إليّ حلماً ليس لاستحالته، بل لأنني في نهايات العمر، سأكون من أول المعارضين، إن كنت في المهجر أو في الوطن، إذا ظلت سوية سياسة الإدارتين على ما هي عليه، أو على شاكلة الدول المحتلة لكوردستان. وبما أننا لا زلنا في مراحل التحرر، فالمطلوب منا هو النصح، وإظهار السلبيات، ومحاولة التنوير؛ تنوير ذاتنا، ومجتمعنا، ومسؤولي حراكنا، وإداراتنا.