الحراك الكوردي الحزبي في غرب كوردستان، منذ تأسيسه وحتى بلوغه قرابة المئة حزب وتنظيم، لم يمارس بجميع أحزابه السياسة في الواقع العملي، رغم العقود الطويلة من العمل والنشاطات الحزبية، وما صدر عنه لم يخرج عن المجال النظري، وهيمنت عليه منهجية العمل الحزبي والتعامل على أسسه.

اليوم، ورغم ما يحاك في الكواليس الدبلوماسية من مؤامرات ضد الشعب ومكتسباته وقضيته، ورغم الحروب الدينية والقومية في المنطقة بشكل عام، لا تزال الأحزاب الكوردية تخون بعضها بعضاً، وتستهدف الآخر بتصريحات ساذجة يتحول بعضها إلى تغطية غير مباشرة على جرائم المرتزقة التركية في منطقة جيايي كورمينج، ومدنها، أو التي لا تزال تطمح إلى السيادة الحزبية وتتناسى السياسة. ونأمل ممن لا يتمكن، لظروف معينة، من تجريم المنظمات المحتلة لعفرين والمناطق الأخرى من غرب كوردستان ألا يمدح هذه المنظمات أو يجد تبريراً لأفعالها على الأقل. ومن لا يتمكن من تحسين معيشة الشعب والحد من الهجرة، فعليه ألا يسهم في تفاقم ظروفه الصعبة على الأقل.

نشاطات الحراك الكوردي في الواقع العملي كانت ولا تزال محصورة ضمن الصراعات الحزبية، إلى درجة تسخير النضال ضد المحتلين لخدمة الحزب قبل القضية، ورفع مكانة التنظيم، وتوجيه البندقية إلى الداخل، وعلى أثرها ظلت سوية المطالب القومية، ضمن جغرافية الخلافات، تحت غطاء مهترئ أضفي عليه اسم السياسة، وجل هدفهم احتلال الشارع الكوردي، وإلغاء الأخر، قبل الاحتلال الخارجي.

هذه الإشكالية المرعبة، كانت ولا تزال من أهم أسباب عدم التوافق على القضايا الوطنية والقومية، والتراجع عن الفيدرالية كمطلب قومي ووطني تحت مصطلحات لغوية تلاءمت ورغبة المعارضة العربية. هذا التراجع وإشكالية غياب السياسة ساعدت على توسيع شرخ الخلافات، وشبه عدمية التوافق. فحتى الأحزاب التي تحالفت أحياناً لم تتمكن من تجاوز هذه المعضلة وخلق القوة التي بإمكانها التحدث باسم الشعب.

من السهل أن تتناسى القوى التي تمارس السياسة خلافاتها مع ألد أعدائها، وأن تعوم المصلحة الوطنية والقومية على منهجية أو إيديولوجية الحزب، كما أن دروب التحالف مع الأخر، الذي ربما كان معادياً، تظل مفتوحة حتى في أصعب الظروف كالتي تمر بها غرب كوردستان اليوم.

الجدلية التي لا تتمكن الأحزاب الكوردية، قيادة وأعضاء، من إدراكها أو حتى تقبلها والحوار حولها، هي تفضيل العداء على التحالف لتحقيق الغاية الوطنية والقومية.

لمواجهة قادم قد يكون مرعباً في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تعصف بالمنطقة، يتوجب على قادة الأحزاب المهيمنة، ولم يتغيروا منذ عقدين وأكثر، إعادة النظر في ماضيهم، ودراسة الحاضر، وكتابة القادم بمدارك عصرية تتلاءم والظروف السياسية والصراعات الجارية في المنطقة، وما يتطلبه واقع الشعب الكوردي. ورغم أن المطلوب ليس سهلاً لشرائح تخرجت من مدارس التحزب، وخرجت أجيالاً على المنهجية المطعون فيها، إلا أنه ليس من المستحيل التراجع عن المسار الذي أوصلها، والشعب، إلى هذا الواقع المزري، وإعادة تركيبة المفاهيم وتعديل أو تغيير المنهجية، والكف عن التشهير ونشر خطابات التخوين التي لن تنقذ أحداً من السقوط في مستنقع الصراعات الحزبية.

إنَّ تجارب الحركات التحررية الوطنية والقومية العالمية والكوردستانية بشكل خاص، تعتبر مدارس غنية للتعلم وأخذ العبر منها، علها تزيد من آمال النجاح للحراك الكوردستاني ولقادم الأمة.