رسمت الهدنة في غزة ملحمة إنسانية عالمية، فبعد أن صمت المدفع وسكتت طبول الحرب، بدأت المساعدات الإنسانية بالدخول إلى القطاع الذي حاصرته إسرائيل 50 يوماً، ما يشير إلى وجود بصيص أمل للحياة في غزة، في ظل الحديث عن تمديد الهدنة لأيام، ما قد يساعد على عودة الحياة إلى مجاريها.

كلما طال أمد وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن بين حماس وإسرائيل، ازدادت المساعدات الإنسانية المقدمة لشعب غزة، يدل على ذلك ما كشفته هيئة الاستعلامات المصرية عن حجم المساعدات التي دخلت القطاع بعد تمديد الهدنة يومين إضافيين، فدخل عبر معبر رفح البري حتى مساء الإثنين نحو 2812 طناً من المساعدات، بينها 11427 طناً من المواد غذائية و8583 طناً من المياه.

مؤشرات إيجابية وسعيدة، يزيدها دخول 1048 طناً من الوقود حتى مساء أمس أيضاً، في حين أن إجمالي الشاحنات التي مرت من خلال معبر رفح بلغ 2263 شاحنة، وهذا بالتأكيد يساعد على عودة الحياة داخل قطاع غزة، فيغذي المستشفيات ويضيء البيوت ويعيد للأطفال ضحكاتهم.

جهود كبيرة قامت بها دول كثيرة، بينها مصر، ساهمت في توصيل المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح وذلك خلال فترة الهدنة، ولا يخفي على أحد أنها كثفت جهودها لتوصيل الماء والغذاء والوقود إلى أهالينا هناك، كما استقبلت الجرحى المصابين، فكان المعبر المصري بمثابة "بر الأمان" و"قنطرة السلامة" للفلسطينين والأجانب مزدوجي الجنسية وكذلك الأطفال.

فرنسا أيضاً شاركت في غوث شعب غزة، وأرسلت حاملة المروحيات التي تضم غرفتي عمليات و30 سريراً، ويمكن أن تبدأ في علاج الأطفال المصابين من غزة في وقت لاحق هذا الأسبوع، في وقت تتطلع القوى الغربية إلى تكثيف الجهود لتقديم المساعدات للقطاع؛ ما أكثر الأخبار السعيدة.

الموقف الأميركي أيضاً جيد، خصوصاً بعد أن شددت الولايات المتحدة على ضرورة زيادة المساعدات لقطاع غزة. وعلى لسان وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الإثنين، قال إن من المهم تمديد "الهدنة الإنسانية" بين إسرائيل وحماس ليومين إضافيين حتى يسمح بدخول مزيد من المساعدات إلى القطاع. فهل تستجيب إسرائيل لتمديد الهدنة وتهدئة الوضع؟

لا أعتقد ذلك، رغم أن الهدنة لها أبعاد إنسانية كثيرة، ليس على صعيد المساعدات فقط، بل شملت الإفراج عن الرهائن والأسرى، وأعادت نبض الحياة إلى أسرهم، وحقنت الدماء في الدولتين، خصوصاً في فلسطين، بعدما أودى الاقتتال بنحو 14 ألف فلسطيني مقابل 1200 إسرائيلي غالبيتهم من المدنيين.

شاهدنا أيضاً عبر وسائل الإعلام دعوة أممية للاتفاق على وقف إنساني كامل لإطلاق النار، فتمكنت الأمم المتحدة خلال أيام الهدنة من توسيع نطاق الإغاثة وإرسال المساعدات إلى شمال القطاع الذي كان معزولاً على مدى أسابيع، لكن ما أثار القلق قول المتحدث باسم الأمم المتحدة إن هذه المساعدات تلبي بالكاد الاحتياجات الهائلة لحوالى 1.7 مليون نازح، وهذا يؤكد بالدليل القاطع أن الكارثة الإنسانية في غزة تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.

لا يخفى أن خمسين يوماً من الأعمال العدائية في غزة وإسرائيل أدت إلى خسائر إنسانية واقتصادية فادحة. فمتى ينتهي هذا الصراع المأساوي، ومتى يتم اتخاذ خطوات جادة لتطبيق السلام في المنطقة بخيار وحيد هو حل الدولتين حتى تتمكن فلسطين وإسرائيل من العيش جنباً إلى جنب في سلام وأمن دائمين؟!