خلال المكالمة التي جمعته يوم الأحد بأمير قطر، أثنى الرئيس الأمريكي جو بايدن على دور الجهود القطرية والمصرية التي أسهمت في إنجاح عملية تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، مؤكداً أنَّ الجهود لا تزال متواصلة والاتصالات لا تزال قائمة بغية التوصل إلى اختراق ثان يمكّن من تحرير المزيد من الرهائن، ويوقف آلة الحرب التي دمرت كل شيء. في الوقت ذاته، أبدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تجاوباً مع مساعي التهدئة من أجل زيادة عدد المفرج عنهم من الأسرى، في مقابل هدنة أطول، وهو ما نقلته إحدى وكالات الأنباء الفرنسية عن مصدر مقرب من قياديي الحركة.

تعوِّل الإدارة الأميركية على الدور القطري في أزمة الرهان الأميركيين المتواجدين في غزة، بالنظر إلى علاقتها الوطيدة مع قيادات حركة حماس التي تستضيفها على أراضيها، خصوصاً أن الدبلوماسية القطرية نجحت في العديد من المرات في لعب دور الوساطة في قضايا معقدة، منها ما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط وبملفات أفريقية. وفي الأمس القريب، ساهمت الدوحة في التوصل إلى هدنة لمدة أربعة أيام تحصلت فيها غزة على جرعة من المسكنات، من خلال السماح بمرور شاحنات الوقود والمساعدات الطبية والغدائية.

الدور القطري في صفقة التبادل بين واشنطن وطهران، ومؤخراً في صفقة تبادل الأسرى في خضم حرب غزة، عزز مكانة الدولة الخليجية كشريك مفضل للإدارة الأمريكية، وهو ما سيضع الدوحة في موقع أقوى لقطع الطريق أمام محاولات إنهاء حكم حماس بالقوة في غزة. في المقابل، ستضطر قطر إلى إقناع حلفائها في غزة بوجوب تقديم كل الضمانات الممكنة من أجل التوصل إلى هدنة طويلة المدى، وهو الأمر الذي سيفضي، بعد مفاوضات ينتظر منها أن تكون شاقة ومعقدة، إلى إنهاء الصراع بعد شهرين من قتال دموي خلف خسائر مادية وبشرية غير مسبوقة في تاريخ هذا الصراع الطويل.

في نفس الوقت، تلعب مصر دوراً متوازناً في إدارة العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، وبالاضافة لما يمليه البعد العربي الإسلامي من واجبات نحو القضية الفلسطينية، فمصر تفعل ذلك حفاظاً على أمنها القومي، لما يشكله التصعيد في غزة من تأثير مباشر عليها بالنظر للقرب الجغرافي. ولا يقتصر الدور المصري على الجهود الديبلوماسية، بل يتعدى ذلك إلى الدور الفني من خلال التنسيق مع مختلف الأطراف والهيئات الأممية من أجل ضمان وصول المساعدات وترتيب حركة الأشخاص من وإلى غزة في زمن السلم والحرب، وهو دور في بالغ الأهمية ويكسب مصر ثقلاً لا يقل عن ثقل قطر بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، ولا يستبعد أن تأخد القاهرة زمام المبادرة وترتب لعملية إعمار قطاع غزة ما بعد الحرب، وقد تستضيف مؤتمراً إقليمياً من أجل هذه الغاية.

نالت قطر ومصر إشادة واسعة بعد جهودهما التي أفضت إلى تحقيق أول مؤشر إيجابي منذ اندلاع الحرب، وتخطتا التعقيدات الشكلية التي كانت ستؤدي إلى نسف الهدنة في الربع الساعة الأخير من التفاهمات، وبفضل الانفراجة الأخيرة، تعبد الطريق نحو إمكانية استكمال مسار التفاوض، الذي سيفضي إلى صفقة تبادل جديدة، أو ربما إلى هدنة أطول قد تكون إعلاناً لنهاية الحرب، وبهذا النجاح تمكنت الإدارة الأميركية من تخفيف الانتقادات المتصاعدة التي حملتها مسؤولية الفشل في بعث عملية السلام، والذي ترتب عنه المزيد من التوتر في الشرق الأوسط. والأهم، قبل كل شيئ، أن سكان غزة قد تحصلوا على استراحة قصيرة، وتمكنوا من استعادة أنفاسهم بعد أن دخلت الحرب منعرجاً خطيراً مع نفاذ الدواء والغداء والوقود.