قامت ديمقراطيّة الولايات المتحدة على أشلاء شعب الهُنود الحُمر الذي أُبيدَ عن بكرة أبيه، والشعب الفيتنامي الذي قضى معظمه في حرب أميركية جائرة. الولايات المتحدة قتلت أيضاً الملايين من أبناء الشعبين الأفغاني والعراقي وغيرهما من شعوب العالم، وفي كلّ حروبها القذرة، كانت تجد ذاتها أمام حركات مُقاوَمة باسلَة مُدافِعة عن أرضها، تحاول صد العدوان بكلّ ما تملك من قوة.

بالرغم من كل هذه الجرائم البشِعة، تُسوِّق الولايات المتحدة للعالم عبر وسائل إعلامها صورة القيم الأميركية بكثير من التمجيد، فتُظهر جاذبية الأمة الأميركية وتبشيرها بالحرية والمساواة وحقوق الإنسان، ونبذها للعنف والكراهية والتعصب. وهي تتبنى هذه القيم من منطلق تفوقها العالمي، وفرض سياساتِها على دول العالم.

لِنسأَل عن مدى تطبيق قيم الحرية والعدالة ونبذ العنف على الشعوب التي شنّت ضِدّها حروب الإبادات والقتْل الجماعيّ؟ هل التزم الأميركيون فعلاً بهذه القيم تجاه الشعب الفلسطيني وغيره، أم أنّ هذه الشعوب خالفت سياساتها وخالفت مُخطّطاتها؟!

لم تستفد الولايات المتحدة من دروس الحروب الظّالِمة التي شنتها. وبالرغم من أنّها تكبّدت خلالها خسائر فادِحة في أرواح جُنودها وفي عَتادِها الحربيّ، لمْ تُدرِك حتى الساعة أنّ المُقاوَمة في وجه المحتل رابحة دوماً طالما أنها تُؤْمِن إيماناً راسِخاً بِمَشروعية قضيتِها، مهما طال الزمان أو توالَت السِّنون.

وتواجه الولايات المتحدة اليوم مُقاوَمَة شرِسة في الأراضي الفلسطينيّة، حيث تظن أنّ مُسانَدتها للكيان الإسرائيلي ستُؤَدّي إلى انتصاره، ما يُمهِّد الطريق أمام إعادة رَسمَ خريطة جديدة لفلسطين الخالية من أيّ مُقاوَمة، تكونُ فيها إسرائيل المُسيْطِر الوحيد وتنصب سُلْطةً شكليّة تسير وفقَ سياستها وأهدافها وخُطَطِها، سعياً وراء تحقيق مشروع الممر الاقتصادي من الهند عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا.

المقاومة الفلسطينيّة لن تنهزِمَ على أرضِها ولنْ ترفَع الراية البيضاء، بالرغم من الإبادة الجماعيّة للشعب الفلسطيني في غزة وبالرغم من الصّمْت العالميّ الرّهيب إزاء هذه الجرائم البَشِعة ضدّ الأبرياء العُزّل، بل ستَخرُج مُنتَصِرةً لتقيم دوْلةَ فلسطين وعاصِمتُها القُدس.