يبدو أنَّ صحيفة "اعتماد" الإيرانيَّة قد تورطت في نشر وثيقة سرية للغاية صادرة من وزارة الداخلية تؤكد توظيف 2850 عميلة حارسة حجاب (عميلة رقابة على الحِجاب) في محطات المترو، وكتبت وكالة أنباء السلطة القضائيَّة "ميزان": "إنَّ المدعي العام في طهران أعلن تجريم صحيفة 'اعتماد' بسبب نشر غير قانوني لوثيقة سرية، وتم تشكيل دعوى قضائية ضد هذه الصحيفة"، لكن وفقاً للمادة 11 من قانون النشر وحرية الوصول إلى المعلومات، فإنَّ "الموافقة والقرار الذي يوجِد حقاً أو واجباً عاماً لا يكون قابلاً للتصنيف ضمن الأسرار الحكومية ويكون نشرها إلزامياً".
وجاء في هذا التعميم المؤرخ في 30 أيار/مايو 2023 والموجه إلى بعض الأجهزة الحكومية ومن بينها بلدية طهران وشركة مترو العاصمة "إنَّ دخول الأفراد الذين في وضعية 'حِجاب مكشوف' إلى الأماكن الواقعة تحت إشراف الحكومة يجعلهم خاضعين للامتثال لضوابط الرداء القانوني". ويضيف التعميم أنه "في مراكزٍ كمحطات المترو، يجب منع دخول الرجال إلى عربات النساء، ويجب أن يكون التصوير 'من خلال كاميرات المراقبة' في جميع أقسام المترو وداخل العربات، ويتم تحضير مستندات المخالفين على الفور".
وأجرت وكالة الأنباء الرسمية "ايرنا" يوم السبت 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 مقابلة مع أمين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محمد حسين طاهري أكردي، الذي وصف في حديثه عناصر حراسة الحِجاب (الضابطات المحجبات) بـ"القوى الجهادية"، وقال: "هناك أكثر من 2850 حارسة حِجاب في طهران، وأنشطة هذه القوى هي نتاجٌ للتنسيق مع الحرس، والبسيج، وفراجا، وبلدية طهران والمدعي العام"، وقال طاهري أكردي: "إن واجب عناصر حارسة الحِجاب هؤلاء هو التذكير اللفظي، وهن يعملن دون الحصول على أموال وفي سبيل الله"!
وقال أكردي أيضاً إن "أكثر من 97% من الأفراد قد حُسِمت أمورهم بالتحذير الأولي، ولم تتطور الأمور إلى اشتباكات ومشاجرات"، وبهذا القول يعني أنه في 3% من الحالات تقوم النساء بمقاومة حارسات الحِجاب، وفي 1 تشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام، قاومت أرميتا كراوند البالغة من العمر 17 عاماً تحذير حارسة الحِجاب داخل قطار المترو، ولكن يبدو أنها تعرضت لهجوم من قبل حارسة الحجاب وسقطت على الأرض وأصيبت بنزيف دماغي ثم توفيت بعد أيام في المستشفى، ولكن السلطة الإيرانية غالباً ما تجد تبريراً دينياً وقانونياً للمواجهات التي تحصل بين حارسات الحجاب والنساء والبنات غير المحجبات في الأماكن العامة، من خلال اعتبار عمل الحارسات يندرج ضمن "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وهذا يعني أنَّ السلطة القضائيَّة بإمكانها أن تمتنع عن تجريم حارسة الحجاب في حال قيامها باستخدام العنف ضد النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب، حتى لو أدى العنف إلى الوفاة، كما حصل في حالة القاصر كراوند.
رخصة عامة وقانونية
ونقلت "ايرنا" عن وزير الداخلية أحمد وحيدي في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 قوله "إنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب عام، وله رخصة عامة وقانونية ولا يحتاج إلى رخصة خاصة" وأضاف أن "وزارة الداخلية تقف بالدعم لقانون الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر".
وفي عودة إلى تجريم صحيفة "اعتماد" التي تورَّطت بنشر الوثيقة، كتبت صحيفة "فرهيختكان" (تنتمي إلى علي أكبر ولايتي، مستشار خامنئي للشؤون الدولية) أيضاً في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر: "أنَّ مدعي عام طهران أعلن عن تجريم صحيفة 'اعتماد' بسبب النشر غير القانوني لوثيقة سرية وتشكيل دعوى قضائية بحقها". إنَّ هذه الحساسية المفرطة لدى النظام الإيراني تجاه الوثيقة التي نشرتها صحيفة اعتماد يمكن تفسيرها على أنها تكشف خوف النظام من غليان الشارع واستفزاز النساء، علماً أنَّ هناك خبر آخر كانت قد نشرته الصحافة الإيرانية حول تعيين حارسات حجاب، ولم يتم تجريم أية صحيفة من الصحف التي نشرته، حيث كشفت وسائل إعلام إيرانية في بداية شهر آب/أغسطس من العام الجاري أن بلدية طهران قامت بتعيين 400 حارسة حِجاب للتمركز في محطات المترو براتب شهري قدره 12 مليون تومان.
دور النساء في الاحتجاجات
من الواضح أن الكراهية المتبادلة بين النظام الحاكم والنساء الإيرانيات قد وصلت إلى مرحلة اللا عودة، والقضية لايمكن حصرها فقط بالحجاب، بل تتعدى ذلك إلى حرمان المرأة من الكثير من حقوقها كإنسانة، ومعاناتها من التمييز والإجراءات التعسفية التي جعلتها تشعر بالظلم، ومن الجدير بالذكر أنه نظراً للدور النشط والقيادي الذي لعبته الشابات والفتيات في الاحتجاجات التي عمت أنحاء إيران بعد مقتل شابة كردية تدعى مهسا (جینا) أميني (التي كانت تبلغ من العمر عند مقتلها 22 عاماً) في 16 أيلول/ سبتمبر 2022 على يد دورية تعرف بشرطة أخلاق وإرشاد، زاد النظام الحاكم في إيران من القمع ضد المرأة بطرق مختلفة وكثفه حتى أصبحت المرأة في إيران تتعرض حاليا لأشد أنواع الإساءة التي تمس كرامتها وإنسانيتها.
تقنين اضطهاد المرأة
لقد أدى مشروع قانون "العفة والحجاب" الذي تمت الموافقة عليه في البرلمان في أيلول / سبتمبر الماضي، إلى جعل أشد أشكال القمع ضد المرأة مؤسساتياً. يشير روح مشروع القانون هذا، الذي يتعارض مع جميع مبادئ حقوق الإنسان، إلى أنه إذا تواجدت شابة أو فتاة "في أي مكان باستثناء خصوصية منزلها"، بما في ذلك المدرسة أو الجامعة أو أي نوع من الأماكن التعليمية أو المستشفى أو مراكز العلاج، أو المكاتب الحكومية والبنوك والشركات الخاصة، أو في شارع أو سيارة أجرة أو سيارة خاصة أو قطار وحافلة وطائرة ومتجر ومجمع تجاري ومكان سياحي أو ترفيهي، أو محكمة أو إحدى منصات الإنترنت بما في ذلك الشبكات الاجتماعية، بدون وشاح أو شال، سيعتبر ذلك سلوكاً ضد "الحياء العام" وارتداءً لملابس سيئة، ويتم تجريم مَن تقوم بهذا العمل، وبإمكان المواطنين الإبلاغ عن المرأة التي ترتكب هذه المخالفة من خلال ما يسمى بقوات "الأمر بالمعروف" أو مَن يُعهد إليهم بمراقبة حجاب المرأة، وفي حال "التعرف عليها" يتم تقديمها على أنها "مجرمة" لقيادة قوات الشرطة أو السلطات القضائية!؟
إنَّ مشروع القانون هذا يفصح عن قيام الحكومة بسلطتيها التنفيذية والتشريعية بتقنين اضطهاد المرأة، وهذا الحال ينبئ بأحوال أسوأ خلال الفترة القادمة التي ستشهد تصعيداً في قمع المرأة الإيرانية تحت مظلة القانون، وكما قلناها مراراً وتكراراً، لا يوجد حل في الأفق إلا من خلال قيام الشعب والمعارضة الوطنية بتغيير هذا النظام وإقامة جمهورية ديمقراطية تصون كرامة وحرية الشعب.
التعليقات