العدل أساس المُلك، وما يرسل الله رسالاته إلا رحمة للبشر، يكلف الأنبياء والمرسلين والصالحين وأولى الأمر من البشر من بعدهم بها خدمة للبشرية وإصلاحاً لشأنهم وتيسيراً لمعاشهم وصيانة لأرواحهم وكرامتهم. وعندما تنزل رسالة الإسلام الخاتمة لتنقذ العباد من جاهلية مقيتة وتحررهم من عبودية ظالمة وترفع من شأن الإنسان وتحدد حقوقه وواجباته، ليس من الحق في شيء أن يأتي ملالي الظلام ليخطفوا أرواح العباد من أجسادهم ويحرموهم من حق الحياة تحت مسمى الإعدام الذي لا يمكن تسميته إلا قتلاً حكومياً رسمياً من أجل السلطة، خاصة تلك الأحكام التي تجري بحق السجناء السياسيين خصوم الرأي الذين يسعون من أجل حياة أفضل لجميع المواطنين مع احترام تنوعهم العرقي والديني والمذهبي والفكري.
إقامة الحد على الحاكم قبل المحكوم
في ظل أوضاع سياسية كتلك القائمة والتي كانت في إيران تُعد أغلب أحكام الإعدام أحكاماً ارتجاليةً جائرة بسبب غياب مبدأ العدالة الاجتماعية، وعدم تلبية الحد الأدنى من مستوى المعيشة اللائق للإنسان، الأمر الذي قد يدفعه إلى ارتكاب الجرائم، وهنا قبل أن يُقام الحد على الجاني، يجب أن يُحاكم ولي الأمر الحاكم؛ هل أصلح رعيته ورعاهم حق الرعاية أم أنه أهملهم فأوصلهم إلى ارتكاب الجرائم بسبب الفقر والحاجة، وشتان بين النزوة والحاجة، وعليه فإنه من الأوجب إقامة الحد والمساءلة على ولي الأمر الحاكم قبل الفرد المضطر المُذنب... وبالتالي، فإن أيّ حكم بالإعدام أو السجن الثقيل أو العقوبة المشددة بحق أي إنسان ارتكب مخالفة بدافع الفقر والحاجة وعدم وفاء الحاكم بواجباته تجاه الرعية لا يُعد حُكماً عادلاً، ولا يمكن في إطاره تسمية القتل بالإعدام.
إن الإعدام يكون عادلاً عندما يكون الحاكم عادلاً، ويكون الجاني مسرفاً لا موجب ولا دافع لديه لارتكاب جرمه، وفي حالة مُدعين بالدين كالملالي الحاكمين في إيران، فإنَّ أغلب الأحكام مردودة عليهم لإسرافهم في الظلم والبغي والخروج عن حدود الله والعجز الشديد في الأداء وإدارة المجتمع، وأما جميع الأحكام الصادرة لأسباب سياسية فهي قاصرة باطلة تماماً، حيث لا يستعبد الإنسان ولا يُصادر منه رأيه ولا يُحاسب عليه، ولا إكراه في الدين والعقيدة ولا تهديد في الرزق والوجود الحر الكريم، واستناداً إلى واقع حال إيران في ظل سلطة الملالي، فإن معظم حالات الإعدام هي جرائم قتل حكومي تستوجب إدانة الحاكم والثورة عليه والقصاص منه، وهو ما يسعى إليه الشعب الإيراني الآن.
تصاعد حالات القتل الحكومي (الإعدام) في إيران
تتصاعد حالات الإعدام في إيران بسبب الفقر ومقاومة الظلم والقمع ورفضهما، ويتعرض أبناء الأقليات لأشدّ أنواع القمع ولحالات إعدام لأسباب سياسية ووفق محاكم بربرية عنصرية لا تراعي قيماً دينية أو قانونية وضعية عادلة أو أخلاقية متعارف عليها داخل المجتمع البشري.
ارتفعت حالات الإعدام في عهد حكومة إبراهيم رئيسي الأشد تطرفاً، والتي قد جيء بها من أجل مجابهة الشعب الإيراني المنتفض للإطاحة بنظام الملالي، وقد شهدت انتفاضة 2022 / 2023 الوطنية مواجهات شرسة بين جماهير الشعب المنتفضة على أرض الشارع مطالبة بإسقاط النظام منادية بالموت للدكتاتور والقصاص لدمام الشهداء من القتلة الذين زج بهم نظام الملالي في كافة الميادين والساحات لقمع الشعب وبصلاحيات باستخدام الرصاص الحي والقتل والاعتقال والتعذيب، وفي هذه الانتفاضة قُتِل مئات المتظاهرين وعشرات الأطفال ومئات النساء، وتم اعتقال عشرات الآلاف وتعذيبهم وتلفيق تهمٍ شديدةٍ لهم تمكن الطغاة من إنزال عقوبات الإعدام بهم، وقد أعدم الملالي الكثيرين من شباب الانتفاضة لمجرد مشاركتهم في المظاهرات والاحتجاجات الشعبية.
جرت العادة لدى نظام الملالي أن ينتهز انشغال المجتمع الدولي في الأزمات الدولية العالقة لارتكاب مجازره تجاه خصومه، سواء أكان ذلك داخل إيران أو خارجها، وبصدد الإعدامات التعسفية أكدت السيدة مريم رجوي الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية يوم الخميس 30 تشرين الثاني/نوفمبر أن "نظام الملالي، وبالتزامن مع إثارة الحرب في المنطقة، قام بتسريع إعدام السجناء خوفاً من الانتفاضة، ويحاول عبثاً تجنب نار الغضب الشعبي"، كما أن الصمت أمام عراب الإعدام والقتل يشجعه على استمرار ارتكاب المزيد من الجرائم ضد الإنسانية، وعلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إدانة هذا النظام بشدة بسبب عمليات الإعدام التعسفية والعمل على إنقاذ السجناء قيد الإعدام وخاصة السجناء السياسيين.
حرب غزة والإعدامات المكثفة بحق الإيرانيين
وعلى سبيل المثال للذكر وليس للحصر ما قام به نظام الملالي من عمليات إعدامات مكثفة بحق أبناء الشعب الإيراني مستغلاً انشغال المجتمع الدولي بجرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها قطاع غزة وسكانه، وبالتدقيق في الإحصائيات الرسمية والعامة للنظام في الأشهر التي سبقت حرب غزة وبعدها، نرى بوضوح كيف زاد مصاصي الدماء في إيران من سرعة وعدد عمليات إعدام السجناء في ظل إثارة الحرب وقتل الأطفال الفلسطينيين،
وبحسب الوثائق القضائية الرسمية لنظام الملالي، فقد قاموا بإعدام 37 سجيناً في الأيام الأولى من شهر آذر الإيراني (معظمه في كانون الأول/ديسمبر)، بالإضافة إلى أن عدد عمليات الإعدام في الشهر السابق للحرب كان 25 شخصاً، وخلال شهر حرب غزة وصلت الإعدامات إلى 81 شخصاً، وفي شهر آبان الإيراني (معظمه في تشرين الثاني/نوفمبر) تم إعدام 106 أشخاص. وقد أعدم خامنئي عدداً من سجناء الرأي البلوش، وسجناء لم يبلغوا السن القانوني وقت اعتقالهم، وعدداً من السجناء السياسيين الذين كانوا في السجن لفترة طويلة في ظل إثارة الحروب والتحريض على الإرهاب الذي يروجه أزلامهم من على منابر صلاة الجمعة الاستعراضية ومن خلال تصريحات لقيادات الحرس.
ومن بين حالات الإعدام أعدم جلادو خامنئي السجين السياسي كامران رضائي الذي كان من بين المعتقلين في نوفمبر 2019 في سجن عادل آباد بمدينة شيراز بتهمة قتل أحد عناصر البسيج وتحت عنوان "المحاربة" وذلك يوم الخميس 30 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وكانت سلطة النظام القضائية قد أعدمت قبل ذلك السجين السُني أيوب كريمي يوم (29 تشرين الثاني/نوفمبر) بعد 14 عاماً، وقد تم اعتقاله مع 6 سجناء آخرين في نوفمبر 2009، وحُكِم عليه بالإعدام في آذار/مارس 2016 على يد محمد مقيسئي (جلاد سجن جوهردشت المعروف بناصريان)، لكن حكم الإعدام أسقطه الملا رازيني في المحكمة العليا، وتم إعدام واحد آخر من هؤلاء السجناء وهو قاسم أبسته في سجن قزلحصار في 25 تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام، ويواجه المتهمون الخمسة الآخرون عقوبة الإعدام أيضاً.
وفي يوم الثلاثاء 28 تشرين الثاني/نوفمبر، أعدم نظام خامنئي السجين السياسي هاني البوشهبازي، وهو شاب ثائر من المواطنين العرب وأحد أبناء شادغان (الفلاحية) الشجعان بتهمة "المحاربة" بسجن سبيدار في الأهواز، وفي نفس اليوم تم إعدام ستة سجناء آخرين في سجني قزلحصار وإيلام، وفي يوم الأحد 26 تشرين الثاني/نوفمبر تم إعدام 5 سجناء من بينهم شقيقين يدعيان فرشد وفرشاد بير حياتي، ومراهق بلوشي يدعى عادل دامني وكان عمره أقل من 18 عاماً عند الاعتقال وتم إعدامهم في سجون نهاوند وشيراز وجابهار.
هذا الكم من القتل الحكومي تحت مسمى الإعدام والذي أشرنا إليه بإيضاح في مقدمة المقال وأثبتنا صحته من خلال بيانات وإحصائيات جزئية دقيقة منشورة في موقع منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، لا يمكن أن يكون في ظل حكومة إسلامية عادلة ولا حتى في ظل حكومة علمانية عادلة، وإنما من المؤكد أن يكون في ظل سلطان جائر وحكومة جلادين لا يردعهم دين ولا تردعهم قيم، ولا يحترمون قوانين حقوق الإنسان ولا مبادئ حسن الجوار، والأدهى من ذلك كله أنهم يحاولون نقل نسخة نظامهم السياسي إلى الدول العربية في العراق وسوريا واليمن ولبنان على أمل أن تُصبِح هذه الدول أقاليم تابعة للسلطان خامنئي وأدوات توسعية له.
ولكل ظالم نهاية.. ولكل أجل كتاب.
التعليقات