السيد رئيس وزراء العراق، أخاطبك من موقعي كمواطن عراقي طالباً وراجياً أن تضع جانباً كلامك الذي ينطوي على تهديد لأميركا، إذ والله لو اجتمع العالم بأسره محاولاً أن يجبر أميركا على أن تنفذ ما يريد منها، وكان يتعارض مع نفوذها ومصالحها في المنطقة والعالم، لما استطاع أن يغير من موقفها قيد أنملة، وابحث عن صيغة أخرى في التفاهم والتعايش مع الوجود الأميركي في العراق أنت ومن يحرضك عليها.
خذ بنصيحة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، حين حذر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين قائلاً: "دي أمريكا يابا، دي أمريكا يا صدام"؛ فانظر أين صدام اليوم وأين نظامه، لا بل أين حزبه وأسلحته، أسلحة الدمار الشامل، التي كان يهدد بها أميركا، أما ما حل بالعراق من كوارث ونوازل فأنت شاهد عليها، لأنك تعيش تداعياتها السلبية أولاً بأول مع كل العراقيين.
استفد، سيدي الرئيس، من هذه النصيحة، فالعرب قالت "مصائب قوم عند قوم فوائد"، وانظر ما حصل لنظام صدام على يد أميركا عندما أصر على معاندتها، فالنظام سقط وتلاشى، والشعب اليوم يعيش في دوامة من العوز واضطراب الأوضاع وانهيار الأنشطة الحياتية وفقدان الناس الأمن وضياع الاستقرار، مع مستقبل مبهم المعالم كالح الصورة بين ثنايا الأزمة التي باتت تطفو على سطح العلاقات العراقية الأميركية، والتي تنذر بفرض حصار اقتصادي على العراق ربما يكون أشد من حصار فترة التسعينيات.
انتهاج الأسلوب الدبلوماسي مع أميركا، وعدم التوسل إليها بأن تخرج من العراق (وهي لن تخرج منه) هو خير وسيلة للحصول على موقف إيجابي منها. واعلم أنَّ أميركا لم تتحرش بكم بل أنتم من تتحرشون بها من أجل أجندة خارجية لا يعنيها إن احترق العراق أو انطفأ، فلديها غير العراق من يتولى رعاية مصالحها من دول وجيوش وأشخاص في دول أخرى.
ليس للشعب العراقي من مصلحة في سعيكم لإخراج أميركا من العراق، لأن هذا المسعى سيجلب للعراق قوافل من المشاكل، وعلى الأخص في لقمة عيشه وأمانه، ويعيد عصابات الإرهاب، "وقد عادت بالفعل"، إلى واجهة ممارسة الإجرام، وستشتعل حرب طائفية أخرى لا قبل لكم على إطفائها، وقد يؤدي ذلك إلى انهيار العراق في كل المجالات، ولن تقوى حكومتك في حينها على تحسين الأوضاع ومواجهة موجات الإرهاب، فكف عن أميركا، وأكرر على مرآك ومسمعك ومرأى ومسمع كل أفراد حكومتك في الرئاسات الثلاث أن أميركا، إذا لم تكفوا عنها، ستجعل من العراق جحيماً لا يطاق وبقعة مشتعلة بالويل والثبور على أهل العراق لا يمكن إطفاؤها.
أميركا التي تحتل العالم من أقصاه إلى أقصاه، هل تستطيع، سيدي الرئيس، إخراجها من العراق بإمكانياتك القريبة من الصف قياساً بإمكانياتها؟ تلك أضغاث أحلام لمن يحرضك على أميركا، ويريد أن يورطك بالإصطدام معها، فهو لن يخسر شيئاً إذ أنها حرب أخرى بالنيابة عنه، فإذا فزت فيها أنت فهو الرابح، وإن خسرت تخسر وحدك.
لم ترأف أميركا باليابان عندما هاجمت طوكيو أسطولها خلال الحرب العالمية الثانية. صحيح أن اليابانيين ألحقوا بأمريكا خسائر تفوق التصور في معركة "بيرل هاربر"، لكن النتيجة في نهاية المطاف الحربي كانت لصالح أميركا، وضربت هيروشيما وناغازاكي بقنبلتين ذريتين، واضطرت اليابان أن تستسلم بذل ومهانة في العام 1945، وما زالت حتى اليوم مستعمرة أميركية.
يقول الخبراء العسكريون إن الولايات المتحدة الأميركية خرجت من الحرب العالمية الثانية في العام 1945 وهي تملك قوة برمائية كبيرة وقادرة على أن تحارب عشرة دول في آن واحد. وقالوا عنها أيضاً إنها تملك مواصلات وعوامل اتصلات تغطي عشرة كرات مثل كرتنا الأرضية.
أنظروا إلى افغانستان ماذا فعلت بها أميركا؟ بعدما خرجت منها خلفت فيها الفقر والانهيار الاقتصادي والتمزق الاجتماعي ومصادرة الحريات، وخاصة حرية المرأة في مجال التعليم من قبل حكومة طالبان تحت غطاء التحريم الإسلامي. مع العلم أن الإسلام هو دين التعلم والعلم والمعرفة، وأول آية أنزلت على النبي هي آية "إقرأ" وقال النبي في حث الناس، رجالاً ونساء، على طلب العلم في إطار الحيز الجغرافي "أطلب العلم ولو كان في الصين"، وفي الإطار الحياتي قال "أطلب العلم من المهد إلى اللحد"، أي على الإنسان ألا يتوقف عن طلب العلم طوال حياته، ولم يرد في كتاب الله ولا في السنة النبوية الشريفة ما يشير إلى منع المرأة من التعليم أو الخروج من البيت والسعي وراء طلب العلم، وفي ذلك تجاوز صارخ على مبادئ وقيم الإسلام وتجن واضح عليه في حرمان المرأة من حقوقها المشروعة ومن ذلك حق التعليم.
ومن الأمور التي أذكرها أن أميركا، بعد أن انسحبت من فيتنام، انتظرت فيتنام أشهراً قليلة فقط وجمع رئيسها السابق هوشي منّه وفداً كبيراً من أعضاء حكومته وذهب إلى أميركا، وأخذ يتباكى في البيت الأبيض على بلاده وما حصل فيها من انهيار اقتصادي شديد بعد الانسحاب الأميركي، وطلب من الإدارة الأميركية في حينها المساعدة، فاستجابت له بشكل مهين بأن أرسلت معه بعض صناع الأحذية الماهرين ونفراً من تجار الأحذية، فازدهر الاقتصاد الفيتنامي بالدعم الحذائي، واليوم الحذاء الفيتنامي من أجود أنواع الأحذية في العالم.
أنتم تعلمون يا ساسة العراق أن عصابات داعش ومن قبلها عصابات القاعدة هي صناعة أميركية، وأكبر دليل أنّها نفذت عمليات إجرامية في الدول التي تدعم قطاع غزة ضد إسرائيل في حربها الحالية ضد القطاع ومنها كرمان في إيران، وهي اليوم تحركت للقيام بأعمال إرهابية في العراق.
التعليقات