دخلت الحرب على غزة شهرها الرابع، وما زال الموت يحدق بالمدنيين الفلسطينين أينما كانوا في ظل دخول الحرب بين جيش الاحتلال وحركة حماس مرحلة غير مسبوقة من حيث التبعات الإنسانيَّة تكاد تكون أشبه بالكارثة.

أكبر الخاسرين في هذه الحرب البشعة، هم أطفال غزة. كان الصغار وقود حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل يقتلون ويُيتمون ويشردون وينزحون، بل ويفقدون أطرافهم ويصابون بالعجز الجسدي والتشوهات والأمراض النفسية والهلاوس التي تدمر الطفولة وتزيد أوجاع الصغار من فرط الرعب المنتشر حولهم.

لا يزال أطفال فلسطين يدفعون ثمن الحرب الدائرة أضعافاً مضاعفة، فنحن عندما نتابع أحداث الحرب نبكي الصغير والكبير، غير أنَّ هذا الشعور لا يمثل ذرة واحدة مما يعيشه الأطفال، فالكثير من الإعجاب أشعر به تجاه "صغار فلسطين"، الذي علمتهم الحرب أنَّ يكون رجالاً في أجساد أطفال.

واقعياً، تأذى أطفال غزة كثيراً بسبب الاشتباكات اليومية العنيفة بين إسرائيل وحماس، حيث تهدم بيوتهم ويقتل ذووهم ويصابون في القصف اليومي، حتى أنهم لا يجدون مستشفى تطيب جراحهم أو تسكن أوجاعهم.

حتى الآن، تستهدف إسرائيل أطفال غزة كعدوها الأول، فهي لا تريد أن يكون مستقبل داخل القطاع، بل وعلى أرض فلسطين برمتها، فتقتل المستقبل المتمثل في الصغار حتى لا يكون مدافعون عن الأرض بعد إمعانها في الإبادة الجماعية التي تريد أن تمحو بها شعب فلسطين والقضية الفلسطينية من الوجود.

إقرأ أيضاً: الجيش السابع الذي تخشاه إيران

بالنظر إلى حصيلة ضحايا الحرب على غزة، نجد أن هناك حوالى سبعة آلاف طفل شهيد، وكذلك آلاف الجرحى والمفقودين تحت الأنقاض إضافة إلى الجثث المتفحمة في الشوارع، فلماذا يصر الاحتلال على قتل الطفولة بدم بارد؟!

المخيمات أيضاً ودور الإيواء تشهد كوارث كثيرة في حق أطفال غزة، فهناك تفتك الأمراض الجسدية بالصغار، بينما تقتل الأمراض النفسية الحياة في أعينهم كل يوم.

الحرب أيضاً تركت آثار صدمات نفسية عليهم، في وقت لا يسمعون فيه سوى صوت القصف ودويّ الرعب وطلقات النيران، ولا يرون فيه سوى الدبابات التي تدخل على أي منطقة فتدكها دكاً بمن فيها بلا رحمة أو شفقة لكبير أو صغير!

إقرأ أيضاً: أهمية إدانة أحد مرتكبي مجزرة عام 1988 في إيران

هذه الأحداث القاسية لا شيء أمام طفل بترت أطرافه وكسرت جمجته أو يعيش بنصف جسد، ولا يعرف ما ذنبه في كل هذا العذاب اليومي الذي لا يتوقف. لكن هل تقتل الحرب الإسرائيلية صمود الصغار؟!

واقعياً، من المستحيل أن تقتل الحرب الحلم الفلسطيني الكبير في وطن مستقر وبناء مجتمعي سليم، بالرغم من سوء الأوضاع الحالية وغياب الخدمات الصحية وإغلاق المدارس وتحولها إلى دور إيواء، فقد يتحول كل هذا الركام إلى وقود لبناء المستقبل والوطن من جديد.

جراح أطفال فلسطين مازالت تتجدد يومياً، فهم غير مدركين ماذا يحدث لهم، ولكن من أبسط حقوقهم العيش بأمان وتناول الطعام وشرب المياه النظيفة وتلقي العلاج والذهاب إلى المدرسة.،. وأصبح كل هذا ضرباً من ضروب المستحيل لهؤلاء الأطفال في ظل الصمت العالمي تجاه المذابح اليومية المرتكبة على أرض غزة، وحقوق الصغار فيها.

إقرأ أيضاً: الرأس وليس أذرع الأخطبوط

ربما يتم الاتفاق على هدنة قريب تسكن أوجاع الصغار، بعد أن تحولت غزة إلى أصعب مكان لعيش الأطفال، خاصة في ظل أمراض سوء التغذية والسل والأمراض التنفسية الناتجة عن أسلحة إسرائيل التي تهدد 1.1 مليون طفل في القطاع، ولكن يبدو أن الحرب لن تتوقف، فتشتد وتستعر لكنها لا تخمد أبداً.

غير أن هذه الظروف الصعبة والمأساوية خلفت من أطفال غزة أبطالاً ومناضلين، فهم ليست لديهم فرصة لينعموا بالطفولة، إنما يحملون ما هو أقوى وهو محاربة العدو الذي اغتصب الأرض وهتك العرض واستباح دماء الصغير والكبير.

فإلى متى سيحرم الأطفال في غزة من عيش حياتها الطبيعية؟!