مصغيًا إلى ما قاله بن غفير في جو بايدن، كان قلبي يرقص طربًا. فهذا اليميني المتشدد غريب الأطوار رمى الرئيس الأميركي بتهمة التحالف مع حماس، وعرقلة "نشاط" الجيش الإسرائيلي في مطاردة قادة هذه الحركة فوق أرض غزة وتحتها. ربما هو مصيب في ما يراه، لكنه مصيبة أكبر على إسرائيل وأهلها. فما يقوله مع أترابه اليمنيين في الحكومة الإسرائيلية يضع العصي في دواليب بايدن عندما يرجو الكونغرس المصادقة على قراراته زيادة الدعم المالي والعسكري لإسرائيل.

هذا غريب طبعًا، لكن ثمة ما هو أغرب: كل ما تفعله إيران في المنطقة – كله حرفيًا – يعين بايدن على تمرير مساعداته لإسرائيل، وعلى رص صفوف صقور الإدارة الأميركية المؤيدين جدًا لضرب إيران في الصميم كرمى لعيون إسرائيل.

هذه مفارقة من طراز المضحك المبكي. من يفوز أخيرًا؟ بن غفير وصحبه فيدمرون مساعي بايدن لإنقاذ إسرائيل من ورطاتها الحربية؟ أم خامنئي ورئيسي وقاآني، ومن ورائهم حزب الله وأنصار الله وأذرع إيران الأخرى في المنطقة، فينعشون مساعي بايدن لإنقاذ إسرائيل من ورطاتها الحربية؟

في الإدارة الأميركية من يحث بايدن على قصف طهران نفسها، إن استمرت الاعتداءات على الجنود الأميركيين في سوريا والعراق والأردن. وفي الإدارة نفسها من يحث بايدن على مغادرة المنطقة لأن بنيامين نتنياهو، وحلفاءه اليمنيين، يجرون الولايات المتحدة إلى حرب أخرى لا تصب في مصلحة أميركا. لا شك في أن بايدن يميل إلى الفئة الثانية من هؤلاء، إذ يكرر في كل مرة تغير فيها مقاتلاته على سوريا والعراق واليمن أنه لا يريد التصعيد، ولا توسيع الحرب، لكنه يبدو غارقًا في متاهة يديرها الإسرائيليون بحنكة ودراية. فواشنطن حتى الساعة لا ترضى بوقف دائم للنار، وترفع سبابة الفيتو كلما طرح الأمر في مجلس الأمن الدولي، إنما تسعى إلى هدن مؤقتة تلتقط فيها إسرائيل أنفاسها.

في جنوب لبنان، نجد أن جو بادين وحسن نصرالله متفقان تمامًا على ألا جدوى من اشتعال هذه الجبهة وتحولها إلى فتيل لحرب كبرى. وهذا أيضًا ما تريده إيران، كما يبدو، لسببين: في يدها ورقة رابحة أكثر من ورقة حزب الله وأقل ضررًا، هي ورقة الحوثيين؛ ولأنها لا تريد إنهاك حزب الله وهو درة تاجها في الهلال الشيعي الذي يضم خمس عواصم عربية. فأنصار الله قادرون اليوم على إبقاء المنطقة برمتها عند عتبة الغليان من دون اندلاع حرب إقليمية، قدر الإمكان، ما دام البحر الأحمر واسع ولن تجدي الصواريخ الحوثية كثيرًا في تهديد الهيبة الأميركية.

هكذا، يريد الخامنئي احتواء الصراع وإبعاد بايدن عنه، بينما يريد نتنياهو تأجيج الصراع وجر بايدن إليه. المختلف اليوم هو أن المزاج الأميركي تغيّر، وما عادت إسرائيل تلك الحمقاء المدلّلة.