ولد الشيخ صفي الدين إسحاق الأردبيلي عام 1252م في مدينة أردبيل الواقعة في شمال غرب إيران، وهي منطقة ذات غالبية كردية آنذاك. تُجمع مصادر تاريخية معتمدة، مثل دراسات فلاديمير مينورسكي ومحمد أمين زكي، أن صفي الدين كان كرديًا، وليس فقط من أصول كردية بعيدة، بل من عائلة وقبيلة كردية سكنت أطراف جبال أردبيل، ضمن الامتداد الطبيعي للشعوب الكردية في تلك المنطقة.

نشأ صفي الدين في بيئة صوفية سنّية شافعية، وتأثر في بداياته بالطريقة "الذهبية"، ثم أصبح مريدًا للشيخ زاهد الجيلاني في جيلان، وتزوج من ابنته، وورث عنه الزعامة الروحية. قام بعد ذلك بتأسيس طريقته الصوفية الخاصة المعروفة لاحقًا بـ"الطريقة الصفوية"، نسبة إليه. كانت الطريقة الصفوية تحظى بشعبية بين الفقراء والمزارعين والرعاة، وأغلب أتباعها من المناطق الكردية والتركمانية في إيران وجوارها، وكانت ذات طابع روحي واجتماعي قوي.

استمرت الطريقة في التوسع بعد وفاة صفي الدين عام 1334م، وقادها أبناؤه وأحفاده حتى جاء الشاه إسماعيل الأول الصفوي (1487–1524م)، وهو الحفيد السابع للشيخ صفي الدين، والذي وحّد قبائل القزلباش الموالية للطريقة الصفوية، وأسس في عام 1501م أول دولة مركزية موحدة في إيران بعد قرون من الانقسام. وقد أعلن المذهب الشيعي الإثني عشري مذهبًا رسميًا للدولة، مع أن الطريقة الصفوية في بداياتها كانت سنيّة شافعية، وهذا ما يؤكده أصل الشيخ صفي الدين ونصوصه الدينية الأولى.

اعتمد الشاه إسماعيل على الولاء الصوفي – السياسي المتراكم حول الطريقة الصفوية، بالإضافة إلى دعم واسع من القبائل التركمانية وبعض الكردية. وبينما بدأت الطريقة كمؤسسة كردية روحية سنية، تحولت إلى دولة شيعية مركزية بفعل العوامل السياسية والظرف الإقليمي، خصوصًا في مواجهة العثمانيين السنة في الغرب، والمماليك في الجنوب.

الكُرد، باعتبارهم أحد أقدم المكونات القومية في إيران، كان لهم دورٌ أصيل في هذا التحول. ووجود الشيخ صفي الدين كزعيم كردي روحي في مركز هذا المشروع السياسي، يؤكد أن الكرد لم يكونوا فقط أتباعًا أو أدوات في يد الصفويين، بل كانوا في لبِّ المشروع التأسيسي للدولة الصفوية.

أما من حيث الجغرافيا، فالكرد يتوزعون تقليديًا في غرب إيران، في مناطق تعرف اليوم بـ"كردستان الإيرانية"، وتضم محافظات: كردستان (سنندج)، كرمانشاه، إيلام، أجزاء من أذربيجان الغربية، ولُرستان (ذات أكثرية لُرية قريبة لغويًا من الكرد). هذه المناطق الكردية كانت تاريخيًا محط نزاع دائم بين الدولتين الصفوية والعثمانية، بسبب ولاء أغلب العشائر الكردية للمذهب السني. لكن في الوقت نفسه، كان هناك أيضًا كرد شيعة لعبوا أدوارًا مهمة في الجيش الصفوي والإدارة، لا سيما في مناطق همدان وخوزستان ومشهد.

في سياق تأسيس الدولة الصفوية، يمكن القول بثقة تاريخية أن الكُرد لم يكونوا طرفًا ثانويًا، بل كانوا في صُلب القيادة الروحية والسياسية. فالشيخ صفي الدين الأردبيلي، الزعيم الروحي الأول، كان كرديًا؛ ومنه انبثقت الطريقة الصفوية التي تحوّلت إلى دولة على يد حفيده الشاه إسماعيل. وهذا يجعل مقولة "الكُرد أسسوا الدولة الصفوية" حقيقة تاريخية موثّقة، لا مجرد تأويل سياسي أو قومي.


المراجع
1. فلاديمير مينورسكي – Kurdish Tribes and History, London
2. رضا مظفریان – تاریخ تصوف در ایران، طهران، 1990
3. عباس إقبال آشتياني – تاریخ ایران بعد از اسلام