في محادثة قصيرة مع أحد الزملاء في المجال، سألني عن الجنسية التي أحملها وبلد الإقامة، نظراً لاختلاط لهجتي كما يقول، بالرغم من أنها لا تحمل الكثير من الأسرار ويسهل تكهن مصدرها!

نعم أنا مقيمة في الخليج منذ ولادتي، لكنني ما زلت أحتفظ بلكنتي التي لا غنى عنها. الغريب أنني عندما أخبرته بأن جذوري نابعة من وطن آخر، أسكتني قبل أن أُكمل جملتي قائلاً: نعم نعم فهمت..! كأنّ اسم الوطن الذي أنا على وشك أن أنطقه جريمة يجب أن لا أعترف بها!

قاطعته لأخبره بكل فخر أن جذوري تعود لحيفا، فأسكتني من جديد قائلاً: لاحظتُ أنكِ قلتِ حيفا ولم تقولي فلسطين..!

هذه العبارات جعلتني أتجاهل أي تعاون بيني وبين هذا الشخص في الوقت الحالي وفي المستقبل، وسرعان ما أنهيت المحادثة لأنها تفتقر إلى المستوى الثقافي والفكري الذي أنتهجه، ولا أطمح للعمل مع من يحاول أن يصطاد في مياه تشبهه لأهداف غامضة.

إقرأ أيضاً: هل يمكن للذكاء الاصطناعي توقع الموت... حقاً؟

لربما الغزو الثقافي الغربي الذي يهدف إلى تغريب الشخصية العربية واستبدال جذورها الأصيلة وقيمها الوطنية ساهم في تفكيك الوحدة الثقافية، لغض البصر عن التعامل مع مفهوم الشتات الفلسطيني دون ردفه بالوعي المطلوب حول تاريخ الصراع الدامي، وكل ما يأتي من هذا المنطلق يُعدُّ تناولًا غير محايد، لا سيما أنَّ معظم اللاجئين الفلسطينيين لا يمكنهم، تحت ديمومة هذه الوطأة، العودة إلى الوطن بإرادتهم الحرة، ذلك أنهم يعيشون شتاتهم القسري في ظل أوضاع اجتماعية واقتصادية وحقوقية تتفاوت سقوفها وفقًا لثقافات الدول المستقبلة، علاوة على اختلاف حظوظهم في الحصول على جنسيات هذه الدول، ثم يأتي من لا يفقه حرفاً ليجلس على مقعد القاضي ويُطلق الأحكام ويجلد المتهمين دون أدلة.

إقرأ أيضاً: كيف أحبط الإعلام الرقمي البروباغاندا الغربية

إن الانتماء الوطني لدى الشعب الفلسطيني مُرتبط أولاً باعتزازه بنفسه وأرضه، تدفعه الكرامة الوطنية إلى التمسك بأصالته وتاريخه وحقه في كل شبر في الوطن. وهذا الوعي لدى الفلسطينيين ليس تحدياً عليهم مواجهته لتحديد هويتهم، هم ليسوا بحاجة لإنكار أو إخفاء القداسة والمجد الذي يعبق مع أسمائهم، وهذه الآراء الفردية لا تعبر بتاتاً عن تفكك ثقافي في مفهوم الهوية الفلسطينية لدى الفلسطينيين.

إقرأ أيضاً: بكل الطُرق الممكنة باقون

الفلسطيني يعيش فخوراً حاملاً اسم وطنه، ولا يحتاج لأن يُثبت ذلك، يكفيكم تحويل صراعاتهم وكيدكم تجاه الفلسطينيين بحثاً عن مخرج لتفاهاتكم، فلا يؤمن بالوطن أكثر ممن ذرف الدماء لأجلها. الوعي الفكري والثقافي في هذه المرحلة بالذات أقوى العوامل التي تدفع بالقومية وتعبر عنها تعبيراً واضحاً، وهي حتماً أقوى من كل عوامل التفكك التي تقوم بفعل الجهلة والمتأثرين بالغزو الثقافي الغربي. فلسطين التاريخية وطناً ودولة رغم أنف الحاقدين، وسوف تتحرر من النهر إلى البحر رغم كيد الغاصبين.