ما دامت عقدة الأمن والمصالح الأمنية وهيمنة القوة العسكرية للاحتلال هي المسيطرة على عملية السلام، سيكون من الصعب الوصول إلى خاتمة إيجابية في هذا المجال، حيث يعتقد صناع السياسة في أميركا منذ فترة طويلة، ومعهم التكتل العنصري الإسرائيلي، بسيطرة المصلحة الأمنية، التي كانت دائماً تتبلور في كيفية حفظ أمن دولة الاحتلال على حساب المصالح العليا للشعب الفلسطيني.
خلال السنوات الماضية، تضاعف التطرف الإسرائيلي ليتمم السيطرة على القرار السياسي العسكري لدولة الاحتلال، مما نتج عنه تدمير اتفاقيات أوسلو ومحاربة القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية والحد من سيطرة السلطة الفلسطينية على زمام الأمور وفرض حصار مالي على الحكومة الفلسطينية، في الوقت ذاته، تخلت الإدارة الأميركية عن مواقفها لصالح الاحتلال، ولم تعد الراعي الأساسي لعملية السلام، وشرعت بالتعاون المطلق مع الاحتلال وتعزيز سيطرته ودعم بناء المستوطنات، ولم تعد قادرة على تحقيق السلام كونها وجهت دعمها المطلق للاحتلال وشرعت في تدمير عناصر الثقة ليس بينها وبين فلسطين فحسب، بل بينها وبين أغلب الدول العربية، حيث شكلت تصرفات الرئيس جو بايدن ودعمه للحرب على غزة صدمة حقيقية ولدت مأساة لا يمكن تجاوزها.
وبعد حرب الإبادة في غزة، شرعت إدارة الرئيس بايدن في فرض حلول غير منطقية أو ملائمة لطبيعة الواقع والظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وتتنافى مع عملية السلام وتطبيقها، وعملت على ابتزاز منظمة التحرير والبحث عن بديل لتطبيق مخططها، وهذا ساهم في توقف كامل للعلاقات مع واشنطن، وانهيار كل عوامل الثقة، وتدمير عملية السلام برمتها، تاركاً فجوة عميقة ومستقبلاً لا يمكن تداركه وعوامل من الصعب اجتيازها. فالحقيقة أنَّ عوامل النكبة الفلسطينية ما زالت مستمرة وواقع التشرد المؤلم ما زال قائماً والاحتلال يعيد إنتاج نفسه من جديد لتدمير القضية الفلسطينية وخلق مأساة جديدة أكثر تعقيداً بحكم الالتفاف الاستيطاني والتمدد الذي يبتلع الأراضي الفلسطينية ويعيد المنطقة إلى مربع الدمار الشامل والكامل.
إنَّ الواقع القائم يمنح الضفة للاحتلال لضمها إلى الأبد، ويعني ذلك أن لا دولة فلسطينية، وتحويل قطاع غزة إلى حاضنة للفلسطينيين بمسميات مختلفة في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية، وإجراءات الاحتلال الهادفة إلى تهجير أبناء الشعب الفلسطيني وتدمير المشروع الوطني وفرض وقائع جديدة والتعامل مع ما تبقى من سكان في الأراضي الفلسطينية دون أي مسؤولية، ومنحهم المساعدات الإنسانية دون أي حقوق سيادية أو اعتراف في دولة فلسطينية لهم.
هذا الواقع القائم يؤجج الغضب ويزيد من شعلة الانتفاضة والعصيان المدني الشامل في وجه الاحتلال ومخططاته التآمرية، ويعيد فتح السجون والمعتقلات الإسرائيلية لاعتقال الشعب الفلسطيني بشكل جماعي، وفرض حصار على المدن الفلسطينية، وإنهاء أي تحرك سياسي يهدف إلى إعلان الدولة الفلسطينية من خلال استمرار فرض الحصار السياسي والمالي والأمني على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. وبالرغم من تصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين حول إلغاء الضم أو تأجيله، لكن معالم خطط الاحتلال وأهدافها الخبيثة أصبحت واضحة ومعروفة للعالم أجمع، وأي إلغاء أو تأجيل للضم لا بد أن يتبعه تحرك سياسي دولي وبرعاية دولية لعملية السلام وفتح مفاوضات شاملة على الوضع النهائي تشمل الحدود والأمن والاستيطان والقدس واللاجئين، وتكون هذه المفاوضات ضمن الأساس الدولي والاعتراف الدولي بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967، وضمان اعتراف دول العالم بالدولة الفلسطينية، وتوفير الدعم الكامل لمقومات صمودها كدولة قائمة في المنطقة.
التعليقات