لا جدال أضحى يعلو فوق الرهاب الكبير الذي أصيب به العالم الغربي، خصوصاً أوروبا، رهاب أمسى يطبع الوضع غير السوي للنظام العالمي، وضع آخذ في مسار اسمه المجهول وطريق الخطر، طريق قد تعصف بالبشرية جمعاء، فكيف لا! وشرارة الاندفاع، وحب الزعامة، والزحف على المبادئ العامة للإنسانية، وذلك بخلق وهم العداء، والاعتداء على الدول والأقطار الصغيرة والمتوسطة بدعوى المصالح ثم المصالح.

فالحرب الأكرانية الروسية، وما تنطوي عليه من خطر داهم، خطر له ما له وعليه ما عليه، حرب بالتأكيد ستزيح الكثير من المعتقدات والنوايا السياسية، بل ستغير وبشكل جذري ملامح التحالفات في عالم يستهزئ بالضعفاء والبسطاء والسذج، من أنظمة لا زالت متوهمة بمفاهيم حقوقية أقرها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية السياسية لعام 1966، أو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في سنة 1948.

فالحرب الأوكرانية ستعيد الحسابات للكثير من الدول، بل ستفتح الشهية صوب التحايل على جملة من القرارات والاتفاقيات والتفاهمات، بغية امتلاك أسلحة الردع، أسلحة الدمار الشامل؛ كيف لا وأوكرانيا التي قدمت لها ضمانات كثيرة من دول كثيرة، وانتزعت مخالبها، وسلمت أسلحتها التدميرية، ها هي الآن لوحدها في مواجهة جبروت غضب الدب الروسي، الدب الذي تم استفزازه منذ مدة ليست بالقصيرة، استفزاز عنوانه البارز، زحف الحلف الأطلسي على مناطق نفوذه وحدوده الشرقية والبرمائية.

إقرأ أيضاً: العشوائيات الديمقراطية

في مقابل ذلك، فقوة التهديد الروسي بالرد الحازم وبالأسلحة المحظورة، ستجعل الثقة في العالم التقليدي والأسلحة التقليدية تتلاشى أمام الخوف من الرد على من يمتلك أسلحة الدمار الشامل، فها هي كوريا الشمالية نموذجاً، وها هي الهند وباكستان، وربما هناك من الدول الكثير، لكن غير معلنة، كما أنَّ التحالفات العالمية ستتلاشى بالبحث عن تحالفات أخرى، تحالفات عنوانها الكلمة والتدخل المباشر، عوض الوعود والتهديد الإعلامي وكفى!

فروسيا بهجومها على أوكرانيا، وبتحكمها في مفاصل أوروبا بالغاز الذي يساهم في نجاة الملايين من قساوة البرد، ونسجها علاقات قوية مع الصين، في إطار تبادل المصالح وغيرها، قد تفتح شهية البعض في استرجاع مناطق متنازع عليها، كالتايوان مع الصين وزد على ذلك الكثير.

إقرأ أيضاً: إشكالية المعارضة في الشرق الأوسط

فالغرب أمام هذا الزحف الروسي العنيد، واستمرار الأزمة في أفق عنوانه تزويد أوكرانيا بالأسلحة، دون التدخل المباشر في الحرب، قد يضعها في موقف خطير ومحرج مع الجميع، خصوصاً تلك الدول التي ترتبط معها بعلاقات دفاعية اقتصادية وغيرها، فالغرب الذي تشتعل فيه الأزمات الدورية بين الفينة والأخرى، عليه أن يعلم أن رياح الشرق لن تتوقف عن التأثير مهما بلغت درجة الدهاء السياسي لقادته، فخطورة الشرق ينطق بها التاريخ قبل الجغرافيا.

فيا عقل؛ نحتاج لعالم آمن مسالم، فالملايين قتلت في الحروب السابقة، ولا أحد من القتلى رجع لعالم مغاير، عالم اسمه من مات مات، ومن بقي بعد حل الأزمات وانتهاء الحروب، سيعود إلى حياته الطبيعة كأن شيئا لم يقع!

إقرأ أيضاً: "الممر الشمالي" الروسي: متنفس "الحزام الطريق"؟

فالشرق عليه أن يستوعب جيداً أن الغرب غرب، والشرق الشرق؛ والتعايش يحتاج لاحترام ثقافات ومخاوف وتراث الشرق، وذلك قبل الخوض في سياسات براغماتية، سياسية، عنوانها: أنا الغرب... أنا الأقوى!