يقولُ المثَلُ العربيّ: "يَقتُل المَيِّتَ ويمشي في جنازَته"؛ والمعنى العام لهذا المثل العربي يتجسّد في أن يَقوم شخصٌ بإلحاقِ الأذى والضرر بشخصٍ آخر عمْداً ودون رحمة أو شفَقة، ويتظاهر ويتباكى أمام الناس بِحبِّه ومَودَّته ومواساتِه له ورحمته به واستعداده لمساعدته والوقوف إلى جانبه.

هذا المثَل العربي الشديد البلاغة ينَطبِق على الولايات المتحدة الأميركيّة، التي تُشارك في قَتل الشعب الفلسطينيّ في غزة وتتظاهَر أمام العالم أنها تشفق عليه وتحرِص على حياته مِنْ خِلالِ تقديم مُساعدات إغاثيّة له عبر الجوّ وعبر ميناء يتمّ إنْشاؤُه في غزة... ولم يفت الرئيس الأميركي جو بايْدن أن يؤكد أن الميناء سيكون "قادراً على استقبال سفن كبيرة تحمل الغذاء والماء والدواء وملاجئ مؤقتة للناجين من الحرب".

في المقابل، ارتفعت حصيلة الحرب الإسرائيليّة ضدّ الشعب الفلسطينيّ الأعزَل في يومها السابع والخمسين بعد المئة، إلى 31112 شهيداً و72760 جريحاً، ثلاثة أرباعهم من الأطفال والنساء، على ما أفادت وزارة الصحة في قطاع غزة قبل أيام.

مُنذ شنّ إسرائيل حربَها الشَّعواء على الشعب الفلسطينيّ الأعزَل في غزة، والولايات المتحدة تقوم بِتزْويدِها بأحدث الأسلحة، وهي تعلم أنّها ستُستَخدَم في قَتْل المواطنين الأبرياء في قطاع غزة، فهي التي أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لِلهجوم على القطاع، ويَتَّضح ذلك من خلال تصريح بايدن، لدى اختتامه زيارته القصيرة لإسرائيل يوم الأربعاء 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وأعلن من خلاله دعمه التام لها في وجه "إرهاب حماس" حسَب قوْلِه.

آنذاك قال الرئيس الأميركي لِلإسرائيليّين: "أريد أن تعلموا أنكم لستم لوحدكم، وستحصلون على كل شيء تطلبونه". وأضاف أن "على العالم أن يعرف أن إسرائيل هي مرسى الأمن للبشرية"، و"أنا فَخور بأنني في إسرائيل لأعبّر شخصيّاً عن دعْمنا لها، ولو لم تكن إسرائيل موجودة لَتَعيَّن علينا أن نَختَرعَها، ولا ينبغي أن يكون المرْء يهوديّاً كي يكون صهيونياً".

من خلال تناقُضات الإدارة الأميركيّة في سياستِها المُتعلِّقة بالحرب الإسرائيليّة على الشعب الفلسطينيّ في غزة، تَنكَشِف نَوايا أميركا المُبيَّتة المُؤَيِّدة لاستمرار الحرب. ولا يُمكن لِعاقلٍ أنْ يُصدِّق تصريح بايدن حوْل إنْشاء ميناء في غزة لإدخال مُساعدات إغاثيّة لشعب غزّة الذي تُبيدُه آلياتُه الحربيَّة، فهو يَقتُل القَتيل ويَمشي في جَنازته.

إنَّ أكبَر مسؤول في الإدارة الأميركيّة يَستغْبي عُقول النّاس ويستصغِرُها، ومُراوغاتهُ هذه، على ما يَبْدو، أنّها مُوَجَّهةٌ للنّاخِبين في الولايات المتحدة، هَدفُه منها مُحاوَلَتُه استرجاع سُمْعتِه المُنهارة في أوساط المُجتَمَع الأميركيّ، الذي فقد ثِقته في نهْجه السياسيّ، خصوصاً بعدَ مُسانَدته لإسرائيل في إبادتِها الجماعيّة للشعب الفلسطينيّ في غزة..

يَتظاهَرُ بايدن بأنّه يُغيثُ شعب غزة بالإنزال الجوّي، وكذا بإنشاء ممَرّ بحريّ لإيصال المُساعدات إلى مُواطِني غزة، في الوقت الذي يُساهم في تقتيل الأبرياء العُزَّل.

لَوْ كان بايدن صادِقاً في نواياه "المُبيَّتَة" لَأَمَر الكيان الإسرائيليّ بإيقاف مَجازِرِه اليوميّة في حق شعب غزة، لِكوْن إدارتِه هي الآمِرة و النّاهيَة لإسرائيل، كما يَعلمُ الجميع، ولا يُمكن لإسرائيل أنْ تعصيَ له أمراً.