جميع الدول التي نراها اليومَ تَتخبَّط في التخلُّف والضعف والخُنُوع للدول "العظمى"، وتسير وِفقَ سياستها، نجد أنّ سبب ذلك هو الفساد السياسي، والذي يُعتبَر آفَةً كُبرى ومُعقَّدة يستحيل معَها أيَّ تقدُّمّ وفي كل المَجالات والميادين؛ ويعني إساءة استخدام السلطة لأهداف شخصيّة، والسعي وراء تحقيق منافِعَ ذاتية.

مُعظمُ أنواع الأنظمة الطّاغيَة التي يَنفردُ حُكّامُها بِصنع القرار مُعرّضة للفساد السياسي، وتتنوَّع أشكالُه وتَتعدَّدُ، إلا أن أكثرها شيوعاً هي المحسوبية والرشوة ومُمارسة النفوذ والاحتيال ومَنْح كلّ الامتيازات لِلأقارب والأصدِقاء وإقصاء أبناء الشعب من المَناصِب العُليا في الدولة.

إن الفساد السياسي يُسهِّل ويُيَسِّر جميع النشاطات الإجرامية التي تَعمّ الدول الاستِبداديّة جميعَها، ودون استثناء، وللقضاء على الفساد بشتّى أنواعِه يقتَضي اقتلاع هذا النّوع من الحُكْم الجائر من جُذوره من قِبَل الشّعوب، التي تُعتَبَر الرّكيزة الأساسية في التغيير السياسيّ، وذلك من خلال إجبار الطُّغاة الحاكِمين على الرضوخ لطُموحاتِها، المُتجلّية في إنشاء ديمُقراطية حقيقيّة من خلال تَداوُل السلطة بين أبنائِها، عن طريق تغيير شامِل لدساتيرِها المُهتَرِئة والمُتجاوَزة، بما يخدُم هذه البلدان وشعوبها تَقومُ بِصياغتِها نُخَبٌ مَشهودٌ لها بالاستقامَة، وإجراء انتخابات نَزيهة وشفّافة، تنبَثِق عنها مُؤَسسات دستوريّة حقيقيّة، وذلك بعد انتخاباتٌ تَختارُ من خِلالِها الشعوب رُؤَساء هذه الدول، بالإضافة إلى تشكيل حُكومات تَخرُج من أَرحام برلمانات مُنتَخبَة، وقَضاءٌ مُستَقِل عن السُّلَط التشريعيّة (البرلمانات) والسُّلَط التنفيذيّة (الحكومات). حينئذٍ سَتستقيمُ الأمور في هذه البلدان، وستَأْخُذ طريقَها نحوَ التَّقدُّم والازدهار وفي كلّ المجالات والميادين، السياسية منها والاقتصاديّة والاجتماعيّة وغيرها.

أمّا في ظلّ الحُكم الحاليّ، التقليديّ، الذي تَتَولّى فيه العائلات السُّلطة وإدارة شؤون البُلدان، فلَن تعرف هذه الدول سبيلَها نحو أي تنميّة ولَن تَتَمكَّنَ من اللِّحاق بالدول المُتقدِّمة في العالم ولن تتَبوَّأَ مَكاناً مَرموقاً بين الأمم العُظمى في عالَم الحَداثَة والتكنولوجيّات العصريّة المُختلفة، وسَيبقى الفسادُ مُستشرياً فيها بِكُلِّ أشكالِهِ وأصنافِه، وستَظَلُّ خلْفَ الرّكْبِ، تَتحكَّم في شؤونها النُّظُم الديمُقراطيّة الغربيّة، الأوروبيّة والأميركيّة، وسوفَ تَبقى رهينَةَ التّبَعية السياسيّة والاقتصاديّة لهذه الدول وخاضِعةً لأوامِرِها ونواهيها لِكوْنِها ضعيفةً وهَشَّةً، وبذلك تبقى فاقِدةً للاستقلاليّة في قراراتها، وستَظَلُّ خانِعةً وخاضعةً لِصندوق النّقد الدولي والبنك الدولي اللّذان يَسعيان لإغراقِها بِديونٍ مهولةٍ لا تقوى على التخلُّص منها ولا تستطيع الإفلاتَ من إملاءاتهِما الرّاميَة إلى الإبْقاء على ضعفِها وتخلُّفِها.