حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حديثاً، المجتمع الدولي من “ازدواجية المعايير” في التعامل مع ملفي أوكرانيا وغزة، وندَّد في مؤتمر صحفي عقده مع رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي شارل ميشيل، عقب اجتماع المجلس في بروكسل بالوضع الفوضوي في العالم، وحالة الإفلات من العقاب، حيث تعتقد أي دولة أو جماعة مسلحة أنها تستطيع أن تفعل ما تريد لغياب المُساءَلة. كما شدًّد الأمين العام على أهمية "الالتزام بميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، وسلامة أراضي الدول، والقانون الإنساني الدولي"، مُعرباً عن أسَفه إزاء عدد "غير مَسبوق من الضحايا المدنيّين في غزة" خلال فترة تولّيه منصب الأمين العام. وأشار غوتيريش إلى أن "المبدأ الأساسي للقانون الإنساني الدولي حماية المدنيين"، مؤكداً أنه "يجب علينا أن نتمسك بالمبادئ في أوكرانيا، كما هو الحال في غزة دون معايير مزدوجة".

بِصِفتِه أعلى مسؤول في الأمم المتحدة، يمكن للأمين العام أن يستعمل منصبه وسُلطتِه لمنع قيام أي أزمات أو معارك يمكن أن تشكل خطراً على السلم والأمن الدوليين، وذلك من صلب اهتمام مجلس الأمن، كما ينُصّ ميثاق الأمم المتحدة. لكن من خلال تصريحه، يَتّضح جلياً أنه غير قادِر على إعمال وتفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المُتحدة، مُكتفياً بالتصريحات والتنبيهات والتّنديدات دون تحريك آليات الأمم المتحدة لإجبار الكيان الإسرائيلي على وقْف مجازره اليوميّة في حقّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، الشعب الذي أُبيدَ ولا يزالُ يُبادُ بالآلة الحربيّة الإسرائيليّة، التي لا ترحَم الأطفال والنساء الأبرياء العُزَّل، فإذا كان الأمين العام غيرَ قادِر على إيقاف الإبادة الجماعيّة التي تقتَرفُها إسرائيل أمام عيْنيْه، فما عليه، والحالةُ هذه، إلّا التصريح علَناً بالجهة المُهيْمِنة على هذه المؤسسة الدوليّة، والتي تُسيِّرُها كيف تَشاء، وتقديم استقالتِه حتى يَنْأَى بنفسِه عن مسؤوليّة إبادة شعب أعزل.

الأمم المتحدة، وعلى رأسها أمينُها العام، لمْ تجرُؤ حتى على ضَمان إدخال المُساعدات الإنسانيّة المُكدَّسة في معبر رفح إلى غزة، من غذاء ودواء وماء ووَقود وألبِسة وأغطيَة وخيامٍ وغيرها، لإنقاذِ الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والجرحى الذين يعانون الويْلات جرّاء إطباق الحصار على القطاع.

لقد انتشرَت المَجاعة في أوساطِ الشعب البريء، الذي وَصلَ به الحال إلى أكْلِ أعلافِ المواشي لإنقاذ الأطفال من موْتٍ مُحقَّق جرّاء الجوع، هذا الوضع المُزري الذي تعيشه غزة هو وَصمَة عار في جبين الأمم المُتحدة التي وقفَت عاجِزة على أداء مَهَمَّتِها في حِفظ السلم العالميّ ومنع انهيار النظام الإنسانيّ في قطاع غزة.

لقد انتهكت إسرائيل حرمات مآوي الأونروا التّابعة لِلأمم المتحدة بِقصْفها وتدميرِها وإبادَة النّازحين إليها من الفلسطينيّين الفارِّين من بيوتِهم المُدَمَّرة من شدّة القصْف الهمَجيّ الإسرائيليّ، بالإضافة إلى منْع طواقِم الإنقاذ من الوُصول إلى أماكن القصْف لانتشال القتلى والجرحى من تحتِ الأنقاض. وقد تجرّأَ المَسؤولون الإسرائيليّون على اتِّهام العامِلين بمُنظمة الأونورو بأمور كاذِبَةٍ ومَفضوحة لا أساس لها من الصّحة، حيث قامت إسرائيل باتّهام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بأنها سمحت لحركة حماس باستخدام بناها التحتية في قطاع غزة في أعمال عسكرية. وقال المتحدث باسم الحكومة إيلون ليفي إنَّ "الأونروا هي واجهة لحماس.. وهي مخترقة بثلاث طرق رئيسية توظيف إرهابيين على نطاق واسع، والسماح لحماس باستخدام بُناها التحتية في أنشطة عسكرية، والاعتماد على حماس في توزيع المساعدات في قطاع غزة".

لقد عمَدَت إسرائيل إلى اتّهام 12 مُوَظَّفاً في وكالة الإغاثة بالتورُّط في عملية السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، مِمّا دفَعَ المفوّض العام للأونروا فيليب لازرايني إلى أخذ التُّهمة بشكل جادّ فأوقف عمَل تسعة موظّفين فوْراً وجمّد عقودهم. وقد تمّ تشكيل لجنة تحقيق أممية في مقر الأمم المتحدة، وبدأ التحقيق في التهم فوراً، إلّا أنّ ما يطرَحُ التساؤل هو اتخاذ المُفوّض العام للانوروا القرار في حقّ المُوظّفين التّسعة قبْلَ انتهاء التحقيق الأممي. فلماذا لمْ تَقُم الأمم المتحدة بتشكيل لجنة مُماثِلَة للتحقيق في الجرائم الإسرائيليّة في حقّ المدنيّين في غزة؟

وهنا لا بد من الإشارة إلى مسألة المواقف الأميركية والأوروبية، التي قرَّرت تعليق مساعداتها لهذه المنظمة الدولية دون التريُّث أو التثبُّت من التُّهَم المُوَجَّهَة لِمُوَظَّفيها. وهذا يُبرهن على أنّ الأمم المتحدة تتعرَّض، كما يبدو، لِضغوطات من أميركا والدول الغربية التي تُرغمها وتُجبِرها على السير وفق سياستها في المنطقة وعدم المساس بإسرائيل الطفل المُدلَّل لأميركا والغرب.

من الواضِح أنّ هذه الادِّعاءات والافتِراءات التي صنعتها إسرائيل هدفُها ومَرماها وغايَتُها هو التَّخلُّص من الأونروا، لأنّ هدف إسرائيل غير المُعلَن هو القضاء على الشعب الفلسطينيّ وطيّ ملفّ قضيتِه وحقّه في إنشاء دولَته على أرضه المُحتلّة منذ أكثر من سبعةِ عُقود.