وصول المادة الرقمية لحركة حماس الى لبنان يكفي لإعادة إنتاج المادة الصلبة، طالما أن بناء الجناح العسكري لن يجد صعوبة، أمام توفر الأرض والأدوات التي استلبها حزب الله من لبنان، وبالتالي فمسألة انتقال المكتب السياسي لحركة حماس إلى لبنان تكفي تماماً لاستكمال هذه المعادلة، خصوصاً أننا أمام نموذج إخواني، يكفي فيه أن تصبح المادة "الدينية السياسية " في متناول الأيدي، ما يجعل بقية الأمور تكون سريعة الوصول سهلة الطلب، في شارع عربي لا يزال فيه الخطاب الديني الدخيل قد استلب جيلاً واسعاً، يتوجب عليه أن يتلقى مزيداً من الصدمات، كي يدرك المسافة بين الفكرة والفرصة والكارثة.
السابع من تشرين الأول (أكتوبر) كان سيحدث في حقبة مسيرات العودة التي نفذتها حماس في غزة عام 2018، والتي كانت نسخة موسعة فقط عن مسيرات العودة التي تم تنفيذها مرتين في الجولان عام 2011، لكنها في الحالة الغزاوية، استمرت لسنوات، وفي الظل، ثمة مشاركة للعسكريين من حركة حماس وبقية الفصائل بدون سلاح، والذين كان هدفهم من المشاركة في مسيرات العودة هو الوصول إلى ما حدث في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، وكان يمكن أن تحدث معركة غزة آنذاك لو نجحت فكرة مسيرات العودة والتي شارك فيها عشرات الآلاف في تحقيق الاجتياز المطلوب للحدود، وهي المسيرات التي قضى فيها الآلاف بين قتيل وجريح من مدنيي غزة.
إقرأ أيضاً: حلل.. يا دويري
إشكالية حماس هي أنها تذوقت طعم السلطة، وإشكالية الاخوان المسلمين أن يخسرون آخر ثكناتهم العسكرية، والتي من الناحية الدينية تبرر لهم استمرارهم في مساحات المستقبل، إذ إن حماس وفق نظرية الاخوان المسلمين هم المرابطون إلى قيام الساعة، فكيف يمكن لهم أن يتخلوا عن هذه الفكرة ويرجع الاخوان من جديد إلى عصر الدعوة الصامتة، فمثل هذه المرحلة تعني مزيداً من الانشقاقات في حركة الاخوان، وتعني رحيلها عن الواجهة السياسية، خصوصاً أنها هي الطائفة التي باتت تشكل أكبر لوبي في الغرب، ولكن بدون موطئ قدم في بلدها الأصلي، مما يعيق مستقبلها، وبالخصوص في بريطانيا، وبالتالي فإن خلاص الإخوان المسلمين من الطوفان الداخلي يستوجب بديلاً عاجلاً لـــ غزّة.
في الجانب الآخر، هناك لبنان الذي يستريح على بقية صالحة، تحاول منع انهيار الجدار الذي يحمي ما تبقى من هذا البلد، الذي أخذته شعارات المقاومة إلى احتلال من نوع فظيع. فالدولة اختفت، والرئاسة معطلة الى أجل، ومسألة استكمال مليشيا حزب الله لتغيير لون الأرض ومحو الإدراك السابق لم تعد ممكنة بقدرات حزب الله وحده، من هنا جاء الاعلان السابق عن مليشيا حماستان في لبنان، وتشكيل قواعد عسكرية، هي موجودة أصلاً منذ ما قبل 2006 ولكن كانت بشكل سري، وبالتالي فالهدف القادم هو اصطياد الشباب الفلسطيني في مخيمات لبنان إضافة الى اللاجئين الفلسطينيين من سوريا، ولكن العين الاخوانية هي أكبر من ذلك، فهناك محاولة اصطياد قطاع كبير من الشباب (السنة اللبنانيين) وبغية خلط المشهد، بحيث يصبح لون حزب الله مجرد لون أمام بقية الألوان الموجودة، وبصورة أكثر دقة، بما أن حزب الله هو مجرد أداة، فمن الطبيعي أن يكون له شريك إذا وقعت الواقعة، ما يعني بوضوح أكثر، إن لبنان ذاهب الى مرحلة ما قبل عام 1982 ولكن هذه المرة بلون إيراني مميز.
إقرأ أيضاً: الإسلام السياسي ليس جزءًا من المنطقة
خيارات حماستان غزة هي التالي، الذهاب الى غوانتنامو غزة، أو الرحيل، وبالتالي ثمة عوائق تحول دون هذا الرحيل، وتتمثل في الموقف المصري الذي لا يريد أن تستغل حماس بوابة رفح لتهجير الفلسطينيين، ما يعني أن ميناء رفح المؤقت سيكون بوابة دخول المساعدات، وبوابة رحيل لعناصر حماس الذين عينهم على لبنان، ولكن مع عدم وجود القرار السياسي لهذه المعادلة، فثمة حلم حمساوي بتعزيز الزيارة إلى الحوثي، وثمة حلم عند الحوثي بأن يأخذ حصته من مقاتلي حماس لكي يستخدمهم في خاصرة السعودية إن استطاع ذلك.
أما ميناء غزة الحقيقي فهو قادم لا محالة، وسوف يؤدي بناء الميناء الى ازدياد مساحة غزة، لأن الميناء سيقوم على أنقاض عشرات آلاف المنازل التي نتجت عن الحرب، ومن يدري، فنحن أمام معادلة غزة الشمالية، وغزة الجنوبية، ولعل القادم تدويل غزة الشمالية، وبنية اقتصادية قوية، تتمدد نحو غزة الجنوبية، وربما ميناء غزة القادم هو ميناء الشرق الأوسط العربي الدولي المشترك الذي سيمحو الحزن وذكريات الألم.
التعليقات