الإسلام السياسي ليس جزءًا من المنطقة؛ هذه هي المعادلة الأساس التي يجب أن نفهمها، وعلينا أن ندركها ولو متأخرين، فالإسلام السياسي قوة احتلال وتدمير للعقول، ونقطة تحول كارثية في تاريخ العالمين العربي والإسلامي، فالدين في مكان، والإسلام السياسي في مكان آخر. هو باختصار، مكون معقد هجين، يكبر ويتوالد ويعيش على شاكلة طائفة غامضة، تخلط الدين بالسياسة بغيرها من الأفكار، هو طائفة ذات عقد مفصلية، كان صعباً علينا إدراكها وتفكيك رموزها في وقت مبكر.

عرفنا من قبل صورة الإسلام السياسي من خلال برامجه المعلنة، ثم عرفناه من خلال المنشقين عن منظماته الكثيرة والتي أبرزها الاخوان المسلمين، وكان الذين اختلفوا مع تلك الجماعات، يرون سبب خلافهم معها هو التناقض بين الممارسة وبين المعلن من البرامج والأهداف. ما يعني أن البرامج كانت في أدراج الطاولات وكان سلوك هذه القوى لا يستند الى المعلن من برامجها، ولكن الحقيقة هي أن الإسلام السياسي لا هذا ولا ذاك، إنما تكمن المشكلة، أن الإسلام السياسي برمته هو قوة احتلال وإحلال، وإقصاء، وصياغة منظومة كاملة تستند جزئياً على الدين وتقوم كلياً على فكرة سياسية ذات طبيعة إشكالية تناقضية مع المحيط بالكامل، فالبداية تختلف عن المسار والطريق، حيث تتكشف مع الأيام أن الإسلام السياسي كيانية باطنية الجوهر، مخادعة في الشكل.

الإشكالية لدينا كانت في الجماهير التي انساقت وراء تسويق فكرة الإسلام السياسي بأنها قوى تستند على الأصول الدينية وتريد المشاركة في الحكم بغية تغيير الواقع نحو الأفضل، دون إدراك المعادلة القائمة بين القبول بفكرة المشاركة للإسلام السياسي وبين فكرة التغيير التي يستند عليها، فتم توصيف الإسلام السياسي بأنه هو الإسلام، وبرزت لدينا نخب سياسية وثقافية على مدار عقود تعمل على تقديم وجبة إعلامية شعبوية، تخلط بين المعلومة والقصة والأسطورة، تجسد ذلك مع سيطرة هذه التيارات على مساحة إعلامية واسعة.

ثم كانت استدارة هذه النخب العربية نحو الثورة الإيرانية في واحدة من المفارقات الهامة، التي أنتجت فيما بعد عمق الأزمة. عندها، دخل التحول الحقيقي على الإسلام السياسي، إذ أصبحت جماعات الإسلام السياسي تعرض نفسها علناً أنها هي المعنية بشؤون الأمة الإسلامية الدينية والدنيوية، وهنا ظهرت على السطح فكرة البديل بدلاً من الشريك، وأصبح كيان الدولة هو النقيض، تماماً على ذات الشاكلة التي ظهرت فيها حلة الثورة الإيرانية من قبل.

شاهدنا لغة الاقصاء عند حزب الله في لبنان، وحركة حماس في غزة، وقبل ذلك شاهدنا العشرية السوداء في الجزائر بدءًا من عام 1992حتى 2002 ومئتي ألف قتيل في الحرب الأهلية هناك. لكي نشاهد بعد ذلك أنَّ الإسلام السياسي كيانية منفصلة عن الإسلام كديانة، ولا تربطه فيه سوى مسائل انتقائية محدودة يتم استثمارها في مجالات المصالح السياسية فحسب. ولنجد أننا أمام كهنوت معقد التركيب، يقتطع جزءًا من المفردات الدينية، ويعمل على تشكيل خطاب سياسي شعبوي بغلاف ديني.

بين الشريك والبديل مساحة هائلة، فالبديل تعني داخل هذه المنظومة تغييراً شاملاً في بنية الدين أولاً ثم الحياة السياسية والاجتماعية، ويبدأ التبديل على المستوى الديني بفكرة (المرشد) الذي يصبح الآمر الناهي والذي هو صاحب القرار الديني والسياسي والاجتماعي وكل شيء، وبمعنى آخر هو الخليفة الذي يتوجب طاعته فقط، من هنا تجد الخطاب الشعبوي يتسلل إلى المساجد، حتى أصبحنا نرى خطابات شعبوية من داخل المسجد الأقصى بذاته، وفي مناسبات عديدة، تتناول المساس بدول عربية بذاتها، ما لا يتوافق مع الدين ولا حتى أدنى القيم الاجتماعية.

فأمام هذا المكون الجديد، يصبح الجميع خارج معادلة هذه الجماعات، وعلى المجتمع والدولة وكل شيء أن يبدل من نفسه بما يوافق هوى هذه الجماعة، وهذا ما شاهدناه في كامل أماكن تواجد جماعات الإسلام السياسي، والتي حملت مسميات دينية شكلية لكنها بالمضمون، هي جماعة باطنية الجوهر، حتى تمسك بزمام الأمر.

يبقى أن نقول الإسلام في دولة الوحي في المدينة المنورة تحالف مع قبيلة خزاعة التي كانت تعبد الأوثان، وأنشأ دولة المدينة المنورة بالتوافق بين المسلمين وأهل الكتاب، والأهم من ذلك كله أنه صنع صلح الحديبية حقناً للدماء، ... فهل هناك حزب من أحزاب الإسلام السياسي يفكر بحقن الدماء وصون معتقدات البشر؟