بينما يحيي العالم الذكرى الثانية لأحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، تبدو مفاوضات شرم الشيخ على وشك إعلان تاريخي طالما انتظره الغزيون. توصف هذه الجولة بأنها مفترق طرق بين الحرب والسلام. في قلبها تضع حماس شروطها كاختبار لجدّية الوسطاء: إنهاء العدوان، انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، وإعادة إعمار بإشراف فلسطيني مستقل. شروط تتجاوز هدنة عابرة وتقترب من إعادة تعريف قواعد الصراع. ومع ذلك يبقى التحدي قائمًا: هل تنجح هذه الجولة في ترجمة المطالب إلى اتفاق واقعي يطوي صفحة الحرب، أم أنها مجرد تسوية مؤقتة تُبقي المنطقة رهينة لعبة الاستنزاف؟
من خلال البنود العريضة التي طرحها ترامب وما أفرزته مفاوضات شرم الشيخ، يتضح أن سقف التسوية لا يتجاوز وقف النار، انسحابًا عسكريًا وتبادلًا للأسرى. وهنا يصبح السؤال أكثر إلحاحًا: لماذا دُفعت هذه الكلفة البشرية والسياسية الباهظة؟ حرب لم تُحدث اختراقًا في معادلة الحل النهائي، ولم تفرض واقعًا جديدًا للفلسطينيين، بل عمّقت جراحهم. النتيجة الوحيدة الملموسة لم تتعدّ إحراج إسرائيل في المحافل الدولية من دون القدرة على ردعها أو كسر ميزان القوة القائم.
مهما تكن صياغات الاتفاق، فإن الغزيين لا ينتظرون تفاصيله بقدر ما يستقبلون لحظة نادرة بلا صافرات إنذار ولا أزيز صواريخ. هذا هو المكسب الحقيقي: استعادة الحق في حياة طبيعية وربما بداية الخلاص من سلطة دفعتهم مرارًا إلى حروب لم تحصد سوى الدمار. اليوم لا يُقاس النجاح بنصوص البنود بقدر ما يُقاس بقدرة الاتفاق على كسر دائرة الدم وفتح نافذة لأمل طال انتظاره.
المفاوضات الراهنة تطرح سؤالًا أبعد من وقف النار وتبادل الأسرى: هل يمكن أن تكون غزة منزوعة السلاح بوابة لفرص سلام أوسع؟ فالاتفاق على إنهاء هذه الحرب، التي تعد الأقسى في تاريخ المنطقة، يفتح الباب أمام مقاربة جديدة تتجاوز منطق الردع المتبادل إلى البحث في تسوية سياسية مستدامة. في هذا السياق يلوح حل الدولتين مجددًا كخيار يعاد تدويره على طاولة الوسطاء. نجاحه يظل مرهونًا بقدرة المجتمع الدولي على ضمان ترتيبات أمنية لا تُبقي غزة رهينة السلاح، وفي الوقت نفسه تعيد للفلسطينيين أفقًا سياسيًا حقيقيًا.
ومع ذلك فإن غزة منزوعة السلاح قد تبدو الثمن المطروح لإنهاء الحرب، لكن جوهر القضية لا يُختزل في الأمن وحده. فما لم يُقترن هذا المسار بجدية نحو حل الدولتين وضمان الحقوق الفلسطينية، سيظل "السلام" مجرد هدنة طويلة بلا أفق. نزع السلاح قد يوقف القصف، لكنه لن يوقف دوامة الصراع ما لم يُفتح الباب أمام تسوية عادلة تنهي تكرار الحروب.
المرور إلى اليوم التالي من الحرب لا يتحقق بالشعارات أو باستعراض وهم "الانتصار". يتحقق فقط بقرارات سياسية مؤلمة لكنها ضرورية. فحماس، التي ارتبط اسمها بالحروب الدورية في غزة، مطالبة اليوم بمغادرة موقع الحاكم لصالح ترتيب وطني جديد يفتح الباب أمام إشراف فلسطيني – عربي مشترك على القطاع. مثل هذه الخطوة ليست تنازلًا، بل شرطًا أساسيًا لإعادة إدماج غزة في المشروع الوطني الفلسطيني وتهيئة الأرضية لبرنامج طوارئ عربي ودولي يضع إعادة الإعمار على السكة.






















التعليقات