في صبيحة يوم العشرين من شهر تشرين أول (أكتوبر) 2025، حالفني الحظ لأستمع إلى كلمة بليغة وذات أبعاد أخلاقية صارمة لرئيس صادق في أقواله، وفيّ لتعهداته، طالما خاطب العقل بلغة الصدق، ووضع النقاط على الحروف، وعبّر عن هموم وطموحات وآمال شعب كوردستان الواثق بمسيرته في النضال وتجربته في القيادة والحكم والزعامة، والمؤمن بصواب رأيه وصلابة مواقفه، وفي التعبير عن إرادته والدفاع عن حقوقه وسعيه إلى تحقيق تطلعاته بعزيمة لا تلين، إن جلس في مكتب رسمي فخم، أو تحت سقف خيمة في سفح جبل، أو في خندق مع إخوانه وأبنائه البيشمركة.
سمعت، في صالة واسعة تضم المئات من الكوردستانيين، كلمة حملت رسائل واضحة وصريحة ومباشرة لكل من يهمه الأمر، وفي العادة تصل رسائل الرئيس إلى أصحابها في الوقت المناسب، تؤكد على ضرورة العمل بروح المسؤولية والتحلي بالنزاهة والإخلاص ونكران الذات، وتأطير العمل السياسي والإداري والبرلماني بإطار الأمانة والواجب الوطني والقومي.
كلمة الرئيس مسعود بارزاني، كانت على خط كلمات سابقة ومترابطة، وقد استمعت إلى أولها في صيف 1974، عندما كان سيادته عضوًا في المكتب السياسي للبارتي، وكنت بيشمركة في إعلام ثورة أيلول المجيدة، لم تكن مجرد التفاتة انتخابية أو سياسية بل توجهًا استراتيجيًا يجب الالتزام به، لأنها حددت أولويات دقيقة للعمل السياسي والحكومي والبرلماني، وأشرت إلى بداية مرحلة جديدة متناسبة بشكل فعلي مع طبيعة المجتمع الكوردستاني والعراقي، ومع طبيعة المرحلة الراهنة التي يمر بها شعبنا ووقوفنا أمام فرص وتحديات وتهديدات ضمنية وعلنية، وأمام احتمال إعادة صياغة خارطة المنطقة، خاصة وأن الجميع بات يسمع دقات ناقوس الخطر حول ما ستؤول إليه الأوضاع على الأرض وتلزم جميع الفاعلين بترجمة الوعود إلى إنجازات ملموسة، وبالذات في مجال منح فرص أوسع للمكونات القومية والدينية المختلفة، والتخطيط لترسيخ الثقة الحقيقية وتجسير الفجوات بين الجميع، وصياغة سياسات عامة تضع المصلحة الوطنية فوق الحسابات الانتخابية والسياسية.
ومن موقع القائد التاريخي، استجمع في خطابه عناصر استياء وملل مواطني إقليم كوردستان جراء التعامل غير المناسب لبغداد مع الإقليم، واستمرار سياسات بعض أصدقاء وحلفاء الأمس تجاه الكورد، ومحاولاتهم الخبيثة لتعميق الأزمة الاقتصادية وإثارة القلق لدى المواطنين وافتعال مشكلات جديدة، بالرغم من التوصل إلى اتفاق أو توافق بين أربيل وبغداد، وبالرغم من المبادرات المحلية والخارجية، وقال سيادته: (ألم قطع أرزاق شعب كوردستان لا يقل عن آلام الأنفال والقصف الكيمياوي).
كما تحدث سيادته عن قضايا المواطنين وحقوقهم وحرياتهم، وما تحقق من إنجازات، وأكد أنها لم تكن وليدة الصدفة، وإنما هي نتيجة سياسات صائبة ورؤية بعيدة المدى، ودعا إلى إحداث تغيير ملموس في العقليات، وإلى ترسيخ حقيقي لثقافة التسامح والتعايش بناءً على المعطيات الميدانية، وإلى ضرورة الاستمرار في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية بهدوء.
أمَّا المفارقة في كلمته التي استمرت زهاء ساعة كاملة، فهي أن سيادته لم يتطرق إلى رقم قائمة حزبه ولم يدعُ إلى التصويت لمرشحيه. مع ذلك أنزلت كلماته البرد والسلام على قلوب الحاضرين، وفتحت أمامهم أبواب الأمل والتفاؤل لمغادرة منطقة الشك التي يحاول البعض اجتزائها من خارطة الواقع عندما دعا إلى الانطلاق نحو مساحة أوسع لليقين في إقليم يحقق كل يوم المزيد من الإنجازات، ويزيل التحديات، ويكسب المزيد من الرهانات.














التعليقات