ثمانية جثامين متبقية لقتلى إسرائيليين اختطفتهم حركات المقاومة الإسلامية في غزة قبل عامين خلال عمليات طوفان الأقصى، لقوا حتفهم تحت الأنقاض نتيجة القصف الإسرائيلي المستمر لمدن غزة، أصبحوا اليوم هدفًا مقدسًا للبحث والعثور على أماكن دفنهم. فرق البحث تعمل ليلًا ونهارًا، وبمشاركة المنظمات الدولية ومقاتلي الحركات الإسلامية، لكي يتم تسليمهم إلى الحكومة الإسرائيلية بأسرع وقت، معززين مكرمين، قبل أن ينفد صبر الحكومة الإسرائيلية بطول الانتظار.

في الوقت الذي هنالك الآلاف من جثث الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين ما زالت تحت الأنقاض، لا يوجد من يطالب بهم، ولا يوجد من يبحث عنهم، ولا أحد يعرف عددهم، بل وأصبحوا طي النسيان. هذا الفارق بين جثامين المواطنين الإسرائيليين وجثامين المواطنين الفلسطينيين هو فارق القيمة (قيمة الإنسان).

من أعطى القيمة للمواطن الإسرائيلي حيًّا وميتًا بالتأكيد قياداتهم، ومن سلب القيمة من المواطن الفلسطيني حيًّا وميتًا بالتأكيد هي القيادات الفلسطينية في غزة. فأينما وُجد مواطن، وفي أية بقعة من الأرض، عديم القيمة، فاعلموا بأن الحكام في تلك البقعة من الأرض سلبوا قيمته. وأينما وُجد مواطن له قيمة حيًّا أو ميتًا، فاعلموا بأن قادة وحكام تلك الأرض التي تحتضنه شرفاء مخلصون لأوطانهم، جعلوا قيمة المواطن فوق كل شيء.

لا يوجد إخلاص وحب للوطن بدون إعطاء القيمة للإنسان. هذه المعادلة لا يفهمها إلا من فهم معنى القيمة ومعنى الإنسان. وبما أن شعوبنا وحكوماتنا وأيديولوجياتنا تلقننا وتدرسنا منذ الصغر بأن حياتنا فداء للرموز البشرية، وفداء للمبادئ والمعتقدات، وفداء للأرض، ولم نسمع أحدًا قد علّمنا بأن كل هؤلاء يجب أن يكونوا فداء للإنسان، لأن الإنسان بقيمته يجعل لكل تلك الأشياء ذات قيمة.

ما قيمة الوطن بدون الإنسان؟ ما قيمة الدين بدون الإنسان؟ ما قيمة القيادات والرموز بدون الإنسان؟ الحياة والكون كله فداء للإنسان، وحتى الرسالات السماوية نزلت لأجل راحة وسعادة الإنسان.

عندما نقف وراء القيادات والأيديولوجيات والحركات التي لا تكترث لقيمة الإنسان وندعمها بقوة فرحين متبخترين، لأن همنا ليس قيمة أنفسنا بل كل همنا إغاظة الأعداء وإظهار ولاءاتنا لقياداتنا وسادتنا التي ترسخت في عقولنا عن جهل، نكون قد ساهمنا في إهانة أنفسنا كبشر وسلبنا من أنفسنا القيمة التي نستحقها، وما الذلة التي تصيبنا فيما بعد إلا ثمن لسوء فعلتنا.

عندما يذهب المواطن زاحفًا إلى صناديق الاقتراع لينتخب من لا يفقه معنى قيمة وحرية وكرامة الإنسان، فقد طعن نفسه بنفسه. لا نبرئ أنفسنا مما وصلنا إليه، فنحن أيضًا مسؤولون عمّا يصيبنا من ضياع قيمتنا.

وأخيرًا، ليعلم الجميع بأن قيمة الإنسان من أي جنس كان، ومن أي شكل كان، وفي أية أرض كانت، وفي أي زمان، في الحسابات الأخلاقية والحسابات الإنسانية لا فرق بين هذا وذاك، فالكل بشر بنفس القيمة، والكل له القدسية والتكريم. فيا ليتنا قد جعلنا قيمة هذا المواطن فوق كل شيء، ما كان ليحصل ما حصل من آلام وهموم.