للمرّة الثانية في تاريخه، يدخل لبنان مجلس الأمن عضوًا غير دائم، وهو دليل ثقة بهذا البلد، ويُمثّل فرصة له للدفاع عن مصالحه ومصالح العرب وحقوق الإنسان. فلقد فاز لبنان بعضوية مجلس الأمن الدولي بـ180 صوتًا من أصل 190، في الانتخابات التي جرت أمس في الجمعية العمومية للأمم المتحدة لخمسة أعضاء جدد غير دائمين في المجلس وذلك للمرة الاولى منذ العام 1953. وتنتخب الجمعية العامة عشرة أعضاﺀ آخرين من الأمم المتحدة ليكونوا أعضاﺀ غير دائمين في المجلس. وقد زيد عددهم من 6 الى 10 أعضاﺀ العام 1965. ولكل عضو من أعضاﺀ المجلس صوت واحد. وتتخذ القرارات بشأن المسائل الإجرائية بموافقة تسعة على الأقل من الأعضاﺀ الـ 15.

نظرًا لاتفاق المجموعات الاقليمية على أسماء الدول المرشحة لعضوية المجلس فلم تجرَ أي منافسات في انتخابات الجمعية العامة لهذا العام، وذلك للمرة الأولى منذ العام 2004. ويدخل الأعضاء الخمسة الجدد إلى مجلس الأمن مطلع العام المقبل، بينما تخرج ليبيا وفيتنام وبوركينا فاسو وكوستاريكا وكرواتيا وشارك لبنان الفوز بالعضوية التي تستمر سنتين اعتبارًا من مطلع كانون الثاني المقبل كل من نيجيريا، 186 صوتًا، والغابون، 184، عن المقاعد الثلاثة لإقليم آسيا وأفريقيا، فيما حصلت كل من إيران وليبيريا وتوغو وسيراليون على صوت واحد لكل منها. وعن إقليم أوروبا الشرقية فازت البوسنة والهرسك بالتزكية بـ183 صوتًا. وعن أميركا اللاتينية فازت البرازيل بـ182 صوتًا فيما حصلت الأرجنتين على صوت واحد

ولاقى انتخاب لبنان ترحيبًا محليًا عربيًّا ودوليًّا، وقد اعتبر الرئيس ميشال سليمان في كلمة القاها في افتتاح السنة القضائية في قصر العدل امس، بحضور الرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة، ان وجود لبنان كعضو في مجلس الامن يشكل شبكة امان ضد اي اطماع او مغامرات اسرائيلية. واضاف لبنان سيكون العين الساهرة لمنع ما يمكن ان يطرح من مشاريع مشبوهة تهدف الى اهدار حقوقه وحقوق الفلسطينيين والعرب، وراس حربة لحماية مصالحه ومصالح الامة العربية وللدفاع عن حقوق الانسان وخاصة تاكيد المطالبة والعمل على حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

ومن جهته، شدد رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة على ان انتخاب لبنان سيمكنه من عرض قضاياه والدفاع عنها كما انه سيكون موضع ثقة العالم به وموضع ثقة إخوانه العرب. وقال السنيورة ان ذلك يدل على أن لبنان الدولة والجمهورية والنظام الديمقراطي يحظى بدعم واحترام إخوانه العرب وأصدقائه في العالم وعددا وافرا من الدول. واضاف إن لبنان يعتبر هذا الاختيار بمثابة تصويت أممي لصالحه كنموذج في العيش المشترك والنظام الديمقراطي وفي هذا المجال، قال الرئيس بري في دردشة لـجريدة laquo;الديارraquo; اللبنانية ان لبنان لن يكون ليّنا في هذا الموقع المهم بالنسبة إلى القضية الكبرى قضية فلسطين، او بالنسبة إلى رفض التوطين ودعم الحقوق العربية.

كما رأى وزير الخارجية والمغتربين فوزي صلوخ أن laquo;فوز لبنان في العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن دليل ثقة وصدقية بلبنان أضاف: laquo;نشكر كل الدول الشقيقة والصديقة التي دعمتنا من اجل هذا الفوز الذي نعتبره نصرًا مهمًا للبنان ليلعب دوره كما كان قبل سنة 1954، وذلك بإثبات وجوده ومشاركته فيما يتخذه مجلس الأمن من قرارات وتعاميمraquo;. وتابع: laquo;إن لبنان بذلك يكون بحكمة وقيادة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وأركان الدولة عاد الى الساحة الدولية قويًا ليؤكد وجوده الدولي في خضم الأزمات التي يعيشها العالم والتي سيشارك لبنان من خلال عضويته غير الدائمة بانتهاج أساليب الحلول المقترحة لإرساء قواعد السلام في العالم وأسسه، خصوصا في منطقة الشرق الاوسط

فيما قال السفير اللبناني في الأمم المتحدة نواف سلام لـجريدة quot;المستقبلquot; اللبنانية إن فوز لبنان بعضوية مجلس الأمن هو quot;نتيجة التأييد الكبير الذي حصلنا عليه، فلبنان هو المرشح العربي منذ أكثر من 12 عامًا لعضوية مجلس الأمن وحاز أيضًا على تأييد المجموعة الآسيوية ومجموعة دول منظمة المؤتمر الإسلاميquot;. وردًا على سؤال حول مفارقة الفوز بعضوية مجلس الأمن قبل تشكيل الحكومة في لبنان قال سلام إنه quot;رغم أن الحكومة لم تشكل بعد فإن ذلك لم يؤثر على التأييد الكبير للبنان فنحن لا نواجه أزمة حكم بقدر ما هي أزمة تشكيل حكومةquot;. وأوضح أن quot;الحكومة قائمة الآن وإن كانت حكومة تصريف أعمال وهي تضع السياسات العامة بناء على البيان الوزاري وهذا لن يؤثر على فاعليتنا في مجلس الأمنquot;.

وحول التخوف من أن يؤدي طرح قضايا إقليمية على طاولة مجلس الأمن قد لا يتوافق الأطراف اللبنانيون عليها كمسألة العقوبات على إيران أو سواها، قال سلام إن العضوية في مجلس الأمن quot;ستكون تحديًا ومناسبة كبيرين للبنان من أجل صوغ سياساته الخارجية، ومن أجل تدعيم الوفاق الوطني في خياراتنا الخارجيةquot;، مشددًا على أن لبنان يستحق دورًا فاعلاً في السياسة الدولية.

وفي المواقف المرحبة،أعرب مندوب السعودية الدائم خالد النفيسي عن سعادته لانتخاب لبنان واقتناعه بأنه سيمثل laquo;نقلة ايجابيةraquo; في الأداء العربي داخل مجلس الأمن. كما أعرب عن ثقته بأن لبنان laquo;له دور مؤثر في العالم ولن يقل ممثلوه في مجلس الأمن كفاءة عن ممثلي الدول الكبرى.raquo; واستبعد النفيسي أن تؤدي عضوية لبنان في مجلس الأمن إلى إثارة عقبات داخلية أو خارجية بزعم أن لبنان قضية مطروحة في المجلس. وأشار إلى أنه يوجد اتفاق عام بأن laquo;الأمم المتحدة مؤسسة مهمة تحظى بالاحترام والدول العربية كلها مرتاحة لاختيار لبنان

واشاد سفير فرنسا لدى الامم المتحدة جيرار ارو بانتخاب لبنان في مجلس الامن. وقال ان فرنسا مسرورة لوصول لبنان الذي تخطى الحرب الاهلية وهو على طريق اعادة اعمار مؤسساته في الداخل وترسيخ وجوده في الخارج. وردًا على سؤال لمعرفة ما اذا كان ينتظر من لبنان موقفا اكثر اعتدالا في مجلس الامن من الدولة التي سيخلفها، ليبيا، اجاب ارو ان لبنان كان دائمًا جسرًا بين الغرب والشرق واعتقد انه سيلعب هذا الدور ايضًا في مجلس الامن.

ومن ناحيته، قال الممثل الدائم لفلسطين في الامم المتحدة رياض منصور نحن مسرورون لرؤية لبنان في مجلس الامن. وتحدث عن نقاط مشتركة بين لبنان والفلسطينيين لهم اللبنانيون حدود مع اسرائيل وهناك العديد من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في لبنان وهذا ما يجعلنا ننظر إليهم نظرة خاصة.

اما السفير المصري في الأمم المتحدة ماجد عبد العزيز فقال إن لمصر quot;ملء الثقة بتمثيل لبنان الدول العربية.. إن مثل هذه التحديات ليست للبنان أكثر مما هي لسواه من دول العالمquot;. وفي شأن الملف الإيراني في مجلس الأمن وقدرة لبنان على التحرك في صدده قال عبد العزيز quot;إن التصويت في مجلس الأمن يعتمد على المداولات التي تجري في شأن كل من القضايا المطروحة على حدة.. قطر امتنعت سابقًا أثناء عضويتها في مجلس الأمن عن التصويت على بعض القرارات وأن لا مشكلة في ذلكquot;. وشدد عبد العزيز في الوقت نفسه على استمرار مصر في العمل على إصلاح مجلس الأمن الدولي وتوسيعه وعلى منح quot;قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشرعية التي تستحقquot;.

ورحبت الولايات المتحدة بانتخاب لبنان والدول الأربع الأخرى وقالت مندوبتها الى الأمم المتحدة سوزان رايس: quot;إن الولايات المتحدة تتطلع الى العمل مع كل من تلك الدول، كما سنواصل دورنا الحيوي في المجلسquot;. وكانت بريطانيا من أولى الدول الأعضاء في مجلس الأمن التي رحبت بانتخاب لبنان لعضوية المجلس. وقال سفيرها في الأمم المتحدة جون سويرز إنه quot;يوم جيد لمجلس الأمن الذي سيكون أقوى العام المقبل بوجود بلدين كبيرين هما البرازيل ونيجيريا اللذين يمثلان قوتين وازنتينquot;. أضاف أن quot;لبنان والبوسنة والهرسك هما دولتان عاشتا صراعًا ويمكن أن ينقلا خبرتيهما الوطنيتين (في حل النزاعات) الى مجلس الأمنquot;، معتبرًا أن quot;تجربة لبنان والبوسنة في مجلس الأمن ستساعدهما على تعزيز أنظمتهما الحكومية الوطنية لتمكينهما من اتخاذ قرارات، والنظر من قرب إلى قلب القضايا الدوليةquot;.