جراحات قلوب الأطفال العراقيين في إسرائيل 2 - 4
رحلة الأطفال إلى الدولة العبرية بدأت مع سقوط بغداد

جراحات قلوب الأطفال العراقيين في إسرائيل 1-4

نضال وتد من تل أبيب: عندما اتصلت بالجمعية الإسرائيلية quot;أنقذ قلب طفلquot; جاءني صوت تمار شبيرا، الناطقة بلسان الجمعية، عبر أسلاك الهاتف مرحبة بالتعاون لعرض نشاط الجمعية في تقديم العلاج لأطفال عراقيين في المستشفيات الإسرائيلية .

وقالت لي تمار على الهاتف، غدا نزور المستشفى ونلتقي الأهالي، أما بالنسبة إلى التقاط الصور فذلك سيكون مرهونا بموافقتهم. الكثيرون منهم يخافون من نشر صورهم، فمنهم من ترك أهله وراءه في العراق ويخشى عليهم، ومنهم من لا يريد أن تستغل حالته الإنسانية لأهداف سياسيةquot;. وقد وعدت تمار بلقاءات مع الطاقم الطبي ومدير الجمعية سايمون فيشر،وتقديم كل المعلومات اللازمة، وقالت لي تمار إن نشاط الجمعية ليس بجديد وليس مقصورا على أطفال من العراق، فقد عالجت الجمعية لغاية اليوم نحو 900 طفل فلسطيني، إلى جانب أطفال من دول عربية أخرى مثل الأردن وموريتانيا وغيرها.

كنت تواقا لمعرفة بدايات القضية العراقية في مستشفيات إسرائيل، أين كانت نقطة البداية وكيف تم حبك خيوط هذه الرحلات، فعلاج عرب من دول مختلفة في إسرائيل ليس جديدا على مسامعي، فكم منا، في الداخل، سمع، عن أثرياء عرب، كانوا ولا زالوا، ومن دول الخليج أيضا، يصلون للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية المختلفة، لكن الملف العراقي مختلف كليا، من حيث الملابسات والظروف، والأبعاد.

مع جمعية quot;انقذ قلب طفلquot;

في الثامنة كنت أمام قسم الطوارئ للأطفال في مستشفى ولفسون، كانت تمار في انتظاري ومعها ملف خاص عن الجمعية وعملها، بعد قليل وصل سايمون فيشر،مدير جمعية quot;أنقذ قلب طفلquot;، كانت أصداء التصريحات الجزائرية، وتحذيرات الطبيب العراقي عمر الكبسي، قد وصلت إلى آذان الجمعية والمستشفى، وكان الحذر باديا على سايمون، سعى بداية، ومعه مرافقينا من الطاقم الطبي إلى التركيز على مئات الأطفال الفلسطينيين الذين عالجتهم الجمعية، وعرج على العشرات من زينزيبار والكونغو، وأثيوبيا وموريتانيا وروسيا، وبذل جهدا كبيرا للتأكيد على أن الملف العراقي لم يكن محور نشاط الجمعية، فهناك أطفال آخرون في المستشفى من بلدان أخرى من أفريقيا وآسيا بانتظار إجراء العمليات الجراحية لهم.
وقال سايمون فيشر في حديث معنا: quot;إنه لا توجد أي علاقات للجمعية مع أي من الجهات العراقية الرسمية، وإن عملية تعقب الأطفال لعراقيين الذي يعانون التشوهات الجينية الخلقية في القلب، هي من اختصاص الجمعية المسيحية quot;شيفت أحيمquot; وأن الجمعية كانت وراء تنظيم أول عملية لطفلة عراقية كانت تبلغ من العمر خمس سنواتquot;، سايمون أضاف مع ذلك يقولquot; إنه يسرنا لو كانت مثل هذه العلاقات مع جهات عراقية رسمية، ولكن لا توجد مثل هذه العلاقات على الإطلاقquot;.

البداية كانت مع سقوط بغداد

لكن أين كانت البداية ومتى، قلت للدكتور عكيفا تمير، من الطاقم الخاص في مستشفى ولفسون، الذي يقوم بعمليات القلب؟
قال الدكتور عكيفا تمير، إن بداية القصة العراقية كانت بعد الحرب على العراق وسقوط بغداد بعدة أشهر، أي قبل خمس سنوات، عندما اتصل طبيب أميركي يعمل مع القوات الأميركية في بغداد بالجمعية المسيحية quot;شيفت أحيمquot; ووصف لها حالة الطفلة العراقية سائلا عن إمكانيات نقلها للعلاج في إسرائيل، بسبب تعطل الجهاز الصحي في العراق وعدم توفر خبرات جراحة القلب للأطفال الذين يولدون مع تشوه خلقي في القلب. ووفقا لتمير فإن البداية كانت عام 2003، وأجريت العملية للطفلة المذكورة لكن الطفلة فارقت الحياة.

بعد ذلك توالت الطلبات المتكررة لنقل أطفال عراقيين يعانون هذا النوع من المرض، وكانت جمعية quot;شيفت أحيمquot; تتولى عملية التنسيق بين الجهات الأميركية في العراق وبين الجمعية الإسرائيلية، التي باشرت بدورها الاتصالات مع جهات عربية في الأردن. ومنذ أن بدأت رحلة علاج الأطفال العراقيين، إلى إسرائيل، بعد سقوط بغداد، وصل عدد الأطفال الذين أجريت لهم هذه العمليات إلى نحو 60 طفلا عراقيا، فيما ينتظر عشرة أطفال وصلوا إلى إسرائيل مؤخرا أن تجرى لهم هذه العمليات .

دور مستشفى الهلال الأحمر في عمان

لم يخف الدكتور تمير في حديثه معنا دور مستشفى الهلال الأحمر في عمان، بل أشاد بدور مديره، الدكتور محمد الحديد، قائلا إن المستشفى وضع كل إمكانياته تحت تصرف الأطباء الإسرائيليين لإجراء الفحوصات الطبية الأولية لتشخيص حالة الأطفال العراقيين، وتحديد أولويات سفرهم للعلاج في إسرائيل، في مستشفى ولفسون. منذ بداية رحلات الأطفال العراقيين، كانت عمان المحطة الرئيسة والبوابة لإنقاذ حياة هؤلاء الأطفال، خصوصا في غياب الدولة العراقية، بفعل الاحتلال الأميركي، والفوضى التي اجتاحت العراق، وفرار ونزوح أطباء من العراق بسبب ويلات الحرب من جهة، وانهيار الجهاز الصحي للعراق، فيما كانت الأوضاع الصحية في تدهور مستمر.

شكلت عمان بوابة لإنقاذ هؤلاء الأطفال بعد جلبهم من العراق عبر الجمعية المسيحية، وكان مستشفى الهلال الأحمر محطة التشخيص والرعاية الطبية الأولية، من هناك وبعد إجراء كافة الفحوصات وتقويم حالة الأطفال تبدأ الرحلة إلى إسرائيل.

كانت الجمعية الإسرائيلية quot;أنقذ قلب طفلquot; تتولى عملية استصدار تأشيرات دخول ووثائق سفر للأطفال العراقيين وعائلاتهم، عبر السفارة الإسرائيلية في عمان، لينقل الأطفال إلى بلدة أزور القريبة من مدينة حولون حيث يقع المستشفى...

رفض الدكتور تمير طوال الوقت أي تلميح إلى أبعاد سياسية أو ربح سياسي للمستشفى أو الأطباء، بل على العكس من ذلك، فهو يقول إن الأطباء لا يتلقون سوى الراتب الرسمي، والمردود الوحيد بالنسبة لهم هو التحدي المهني من جهة، والعمل الإنساني من جهة أخرى، ولا يخفي رغبته في التعامل مع أطباء وجراحين عرب مختصين إذا وافقوا على ذلك، مشيرا إلى التعاون القائم مع أطباء فلسطينيين.

ليئور ساسون : نرحب بالمبادرة الجزائرية

ليئور ساسون، هو الجراح الذي ينفذ غالبية هذه العمليات للأطفال، وهو يقول بدوره: عن الأمر لا علاقة له بالسياسية، صحيح أن هذه العمليات، والتي نجريها لأطفال من كافة أنحاء العالم، تضيف على سمعة المستشفى وصيته، لكن هذا النشاط هو بالأساس لأسباب إنسانية، وكنا نود لو أن بإمكاننا إجراء هذه العمليات مع جراحين عرب من الدول العربية. إذا قرر الأطباء الجزائريون القيام بعمليات من هذا النوع للأطفال العراقيين، فهذا أمر نرحب به، بل إنه يساعدنا ويخفف من العبء ويقصر فترة انتظار عدد كبير من الأطفال، بل إن هذه المبادرة إذا رافقتها مبادرات من دول أخرى تملك الخبرة والمعرفة اللازمة لهذا النوع من التشوهات الخلقية هي أمر إيجابي، نحن لا نرمي إلى مكسب سياسي، ولا علاقة لنا بأبعاد سياسية عند علاج أطفال من العراق، فقد أجرينا عمليات مشابهة لغاية الآن ومنذ بدء عمل الجمعية لنحو ألفي طفل. صحيح أنه بالنسبة لنا إذا كان عملنا هذا يقرب بين القلوب ويؤدي أو يساهم في بدء تعاون وعلاقات طيبة مع زملاء من العالم العربي ومع الدول العربية فإن ذلك يزيد من عزيمتنا، فنحن عملنا مع أطباء فلسطينيين من رام الله والقدس ونابلس كما أن عددا من الأطباء هنا من العرب في إسرائيل مثل الدكتور عثمان بدير، من كفر قاسم، وهو يرافق المرضى في مرحلة الشفاء بعد العمليات.

تسيون خوري: كلفة العملية الواحدة 13 ألف دولار

مدير قسم العناية المكثفة في مستشفى ولفسون، الدكتور تسيون خوري، يبدأ حديثه بالإشارة إلى أصوله التونسية، وإلى تطلعه الشديد للعمل مع أطباء وجراحين عرب من مختلف الدول العربية، لكنه هو الآخر يشير إلى أن الجمعية بدأت عملها عام 1995، وكان جل نشاطها بعد اتفاقيات أوسلو موجها لمعالجة أطفال فلسطينيين، حيث عالجت الجمعية لغاية اليوم نحو 900 طفل فلسطيني من الضفة والقطاع.

ويقول خوري إن الاهتمام بهذا النوع من العمليات الجراحية بدأ بعد عودة الدكتور عمرام كوهين من الولايات المتحدة عام 95 لفتح قسم خاص، وبدء تقديم مساعدات لأطفال من مختلف أنحاء العالم، وأول عمليتين أجريتا لطفلين من أثيوبا. وبعد ذلك اتسع نشاط الجمعية ليصل مجمل العمليات التي أجرتها لغاية اليوم، في مستشفى ولفسون منذ تأسيسها نحو 2000 عملية. وقد أقنع الدكتور الراحل، كوهن إدارة المستشفى بأن يتقاضى المستشفى 7000 دولار فقط بدلا من 13000 دولار.

ينفي الدكتور خوري، هو الآخر، أن تكون هناك أي أهداف سياسية وراء علاج الأطفال العراقيين، خصوصا وأن أول حالة عراقية كانت عام 2003 بعد أن كانت الجمعية قد قامت بمئات العمليات، وهو مع ذلك يقر بأن التحدي العلمي والمهني والفائدة التي تعود للمركز الطبي وولفسون تتمثل أيضا بتكريس صيته وخبراته في هذا المجال، الذي دخل إلى إسرائيل مع عودة د. كوهين، بعد أن كان الأطفال الإسرائيليون الذين يعانون هذا النوع من الأمراض يضطرون للعلاج في الخارج، وكانت نسبة الوفيات بينهم في أواسط الثمانينات مرتفعة، واليوم وبما أننا نملك هذه الخبرات فنحن نريد أيضا مساعدة الآخرين من مختلف أنحاء العالم. وفي هذا السياق يشير إلى أن المركز الطبي في ولفسون، قام بتدريب طبيبة فلسطينية من القدس للتخصص في هذا المجال تدعى رلى عودة.

تخوف ذوي الاطفال من الحديث الى الصحافة

على الرغم من تواجد ثلاثة أطفال أجريت لهم العمليات في الأيام الأخيرة، إلا أن أمهاتهم رفضن الحديث أو التقاط الصور، وبعد محاولات للإقناع تمكنا من التقاط صور للأطفال في أسرتهم، بعد أن توارت الأمهات.

وقد قالت لنا أم غيث، وهي تقول إنها من كربلاء، إن وصولها إلى هنا كان فقط من أجل إنقاذ حياة ولدها. أما المرافقة الكردية، سوزان، المتواجدة في المستشفى بشكل دائم، فقد عللت الرفض بإجراء مقابلات بالخوف من أن يؤدي نشر تفاصيل الأهل والأطفال إلى تعريض حياة أهاليهم في العراق للخطر. فحتى الإشارة إلى اسم القرية العراقية أو البلدة إذا كانت صغيرة من شأنه أن يكشف عن هوية العائلة في موطنها الأصلي.

وقد قال لنا أحد العاملين العرب، طلب عدم الكشف عن هويته، في المستشفى إن أغلبية الأطفال العراقيين الذين وصلوا هم من أصول كردية بالأساس، وأن نسبة الأطفال العراقيين من الشيعة والسنة هي قليلة، وأن إدارة الجمعية والمستشفى كانت في السابق تنظم جولات للصحافيين، أما في الفترة الأخيرة فهناك محاولة لإبعاد الصحافيين وثنيهم عن الحديث عن الموضوع.

سايمون فيشر: نأمل بجمع تبرعات من العالم العربي

سألت مدير الجمعية، سايمون فيشر، عن هدف الجمعية من النشر عن العمليات التي تجرى للأطفال العراقيين والفلسطينيين، وهل هي سياسية، أو نوع من تحسين صورة دولة إسرائيل، وما إذا كانت هذه الحملة تشكل ستارا لجلب من تبقى من يهود العراق إلى إسرائيل، على غرار ما كان يحدث ويتكشف بعد عمليات الإغاثة التي كان يقوم بها الإسرائيلي إيبي نتان ثم كان يتضح أن إثر هذا العمل الإنساني تفتح أبواب الدول الإفريقية التي نشط فيها ناتان، مثل أثيوبيا والسودان والصومال، وحتى اليمن، لهجرة اليهود منها أو المرور عبر أراضيها في الطريق إلى إسرائيل؟

تضايق سايمون من السؤال وقال إنه لا يعرف ماذا كان إيبي ناتان يعمل لكن الهدف الرئيس من وراء النشر هو محاولة تجنيد الأموال والتبرعات لتمويل نشاط الجمعية دوليا، وهو يطمح إلى الحصول على تبرعات وهبات من الدول العربية وأثرياء العالم العربي حتى تتمكن الجمعية من تكثيف نشاطها.

وقال سايمون فيشر إن تمويل الجمعية يتم بالأساس من الصندوق الخيري الذي أسسته عائلة الدكتر عمرام كوهين، ومن الاتحاد الأوروبي، ومن منظمات في ألمانيا وكندا وبريطانيا وفرنسا.

quot;شيفات أحيمquot;: نسعى إلى تحسين العلاقات فرديا بين العرب واليهود

وقال ممثل الجمعية المسيحية quot;شيفات أحيمquot; في إسرائيل أليكس بيتيت، إن جمعيته تعمل بوحي من التوراة وتأمل بإصلاح ذات بين البين أبناء إسماعيل وأبناء إسحاق، وأن جمعيته بدأت عملها أصلا عام 94 لجمع تبرعات لإجراء عملية قلب لطفل روسي، لكن رئيس الجمعية، جونثان مايلس، وهو مسيحي متدين، حلم بأن عليه أن يسعى إلى التقريب بين القلوب، وبدأ على أثر ذلك بجمع التبرعات لعلاج أطفال فلسطينيين من غزة في إسرائيل، وأن يعمل لإيصال مرضى من أعداء إسرائيل، للعلاج فيها حيث تتوفر لديها الخبرات الطبية اللازمة.

ونفى أليكس باتيت أن تكون جمعيته تابعة للحركات المسيحية الصهيونية لكنه قال quot;إن بين أنصارها وأعضائها هناك تابعين ومؤيدين لهذه الحركاتquot;، لكن الجمعية التي يتخذ رئيسها جونثان مايلز من مصر مقرا له quot;تؤمن بالتقريب بين قلوب الأفراد، وفق تعاليم العهد القديمquot;.