توجز الوقائع حسبما يحصلها المراقب المحايد فى أن شخصا أو أكثر قليلا قاموا بالهجوم على بضعة كنائس بالأسكندرية بآلات حادة ndash;سيوف وسكاكين- فقتلوا شخصا وأصابوا آخرين. بادرت السلطة التنفيذية بإعلان أن الحادث قام به فرد متخلف عقليا. ولم يقبل الأقباط تلك الرواية لتكرارها وثبوت كذبها فى سوابق مماثلة كثيرة، وبلغ بهم الحنق أى مبلغ إذ شعروا بمهانة فادحة أن يستهدفوا قتلا وجرحا وهم فقط يصلون داخل كنائسهم. وكانت الجنازة فى اليوم التالى والتى تصدى لها بعض الرعاع قذفا بالحجارة والزجاجات الفارغة لظنهم ndash;حسب تغذية عقولهم - أن قهر المصريين المسيحيين هو خدمة لله. وهنا ولأول مرة فى التاريخ الحديث يتصدى المسيحيون ولو بسذاجة لمن هاجمهم. وقد شجبت جماعة الإخوان ndash;المحظورة!- الهجوم الذى تعرض له الأقباط ببيان هزيل، معلنة أن ليس لها فيه يد.

رواية الحكومة ndash;هذه المرة- عن المختل العقلى منطقية جدا. وهل من يعتدى على مصلين مسالمين بدون أى هدف إلا قتلهم وجرحهم يكون غير متخلف عقلى؟ يقول الأقباط وبحق أنه ليس فقط متخلف عقلى بل ومتخلف إنسانيا وعقيديا وطنيا أيضا. ويطالب الأقباط وبحق بمساءلة من تسبب فى تخلفه هذا من فقهاء الفتنة ومستغلى الشعارات الدينية ومروجى ثقافة التخلف من مستشيخين وإعلاميين ومعلمين وذوى سلطة تنفيذية أيضا. ونفحص هنا بإيجاز شديد موقف كل من أولائك المتهمين.

الحكومة بريئة من السفك المباشر لدم الأقباط فى هذه الواقعة، بل ونزيد أنها بريئة أيضا من التواطؤ مع الجانى كما حدث ويحدث أحيانا. وحتى رجل الأمن الذى لم يقم بواجباته غير مشارك فى الحدث إلا من ناحية فقدانه لصلاحيته الوظيفية. أيضا لا يمكن توجيه اللوم للواء المحجوب أو المحبوب كما يسميه أهل الإسكندرية ndash;لكثرة إنجازاته- إلا بالقول له أن الإنجازات كلها تتضائل أمام مواطن لا يتستطيع أن يصلى فى أمان فى معبده. كما نقول له أنه مسؤول مباشر عن توحش النزعة الدينية وظهور نجم الإخوان المسلمين فى الإسكنرية ولو بطريق الإمتناع عن القيام بمهامه السياسية والتى نراها أهم وأبقى من مهامه التنفيذية.

الإخوان طبعا أبرياء من الإشتراك المباشر فى هذه الحادثة. أولا لأسباب تقنية إذ أن ليس من أسلوب الإخوان الهجوم على الكنائس ببضعة سيوف وسكاكين، لو كان الإخوان هم الذين خططوا لهذه الحادثة لوجدنا الدم أنهارا والحرائق أكثر إشتعالا وفى أكثر من مكان فى ذات الوقت، ولما كان المهاجم واحدا أو ثلة فقط بل لكانوا آلافا ممن يكون قد تم تعبئتهم وإثارتهم ولو بقصة كاذبة او قديمة كالذى جرى فى غزوة محرم بك مثلا على أقل تقدير. وثانيا الإخوان أبرياء من المشاركة المباشرة لأسباب سياسية إذ ليس لهم فى الحاضر هدف من القيام بمثل تلك الفعلة كما كان لهم مثلا إبان غزوة محرم بك لكى يتنازل مرشح الحكومة القبطى آنئذ، ولتهييج الشعور الدينى عامة حتى يتم إنتخابهم إن لم يكن حبا فخوفا ورعبا. ولذلك أطمئن الأقباط أن الموضوع قد إنتهى إذ لم يكن وراءه تنظيم حقيقى من الإخوان، اللهم إلا أن ركب أحدا غيرهم هذه الموجة.

إذن طالما الفاعل مجنون أو بالأصح مختل عقليا وإنسانيا ووطنيا، وطالما الحكومة والإخوان أبرياء من المشاركة المباشرة فى الأحداث فمن الملوم؟ وماذا يريد الأقباط؟
الملوم هو من يستغل صفحات الإعلام لنشر العنصرية والطائفية. الملوم هو من يتسغل وظيفته فى قهر الأقباط حتى تشتعل أنفسهم ولو كانت الشرارة فى غير ذات محل. الملوم هو التجييش المذهبى العقائدى من جانب فقهاء الظلمة والساعين للسلطة والمتسربلين برداء الدين. الملوم هو من لم يلاحظ ما يجرى منذ أربعين عاما أو لاحظ وركن إلى ترك الأمور وكأنه لا يعنيه وعندما إستيقظ متأخرا جدا لا زال يتحرك بسرعة السلحفاة وكأن الأمور ستنتظر. وأظن أن الذى يريده الأقباط هو فقط مجرد الإهتمام بقضية مواطنتهم والتحرك بوتيرة أسرع قليلا.


عادل حزين
نيويورك
[email protected]