لا أدري على أي نحو سيتصرف بعض الأخوة العرب الحزانى على مقتل ( الزرقاوي )، فالبعض منهم ممن يؤمنون إيماناً لا يتزحزح بنظرية المؤامرة، كانوا يعتبرون الزرقاوي مجرد أسطورة أمريكية لا وجود لها على أرض الواقع، والآن هم أمام مأزق حقيقي يتشرنق في البحث عن كيفية تفسير ما حدث لجمهورهم المتيّم عشقاً هو الآخر بنظرية المؤامرة..

والبعض الآخر من الأخوة العرب التواقون جداً لفشل التجربة الديموقراطية في العراق وينتظرون أن تتحقق نبوآتهم المريضة حينما يحقق لهم الزرقاوي والإرهابيون حلمهم الفاشي بعرقلة العملية السياسية في العراق، نجدهم الآن يعانون من أزمة نفسية شديدة، لأن الإرهاب في العراق يواجه بالتصميم العراقي والأمريكي على دحره وهزيمته والقضاء عليه، والآن ليس أمامهم إلا أن يرفعوا من معنوياتهم ويعتبروا أن مقتل الزرقاوي سيشد من عضد ( المقاومة ) ويجعلهم يستأنفون إرهابهم بعزيمة أكبر انطلاقاً مـن : ( قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار )..

والبعض الآخر من الأخوة العرب الذين وجدوا أن أفضل طريقة لكي يبقى العراق لسنين طويلة مترنحاً في متاهات الاحتراب الطائفي والحرب الأهلية أن تبقى النار الطائفية التي أججها الزرقاوي ورفاقه مستمرة، ولكنهم الآن يخسرون واحداً من أفضل مَن كان يحقق لهم هذا الحلم التدميري، وبمجرد أن تعلن القاعدة عن قائد جديد يحمل راية الجهاد بدلاً من الزرقاوي المقبور، سيجدد ذلك للعرب الحزانى المقهورين الأمل بدخول العراق معترك الاحتراب الطائفي من جديد..

والبعض الآخر من الأخوة العرب، الذين كانوا يراهنون على أن الزرقاوي هو مَن سيحقق لهم حلمهم الرومانسي بهزيمة أمريكا في العراق والثأر منها بعد أن فشل قائدهم المغوار صدام بتحقيق ذلك الحلم لهم، نجدهم الآن يرددون أن مقتل الزرقاوي سيعجّل بهزيمة أمريكا واندحارها على اعتبار أن للحق صولة وللباطل جولة..

والبعض الآخر منهم ممن كانوا يحلمون أن الزرقاوي وأتباعه المخلصين له وللقاعدة تقع على كاهلم حلم اقامة الإمارة الإسلامية الفتية التي ستنطلق من أرض بغداد وستمتد إلى أراض أخرى كثيرة، نجدهم الآن يعيدون حسابات هذا الحلم من جديد، ولربما يراهنون الآن على أن الامارة الإسلامية ستقوم لا محالة وإن الزرقاوي ليس سوى خطوة في هذا الطريق على خلفية أن مسافة الألف ( إمارة ) إسلامية تبدأ بخطوة..

أن يتجرع البعض من العرب والمسلمين الحزن والألم مرتين، فإن ذلك يعتبر أمراً قاسياً عليهم، فمَن تباكى حزناً على سقوط نظام بغداد نجده اليوم يعتصر ألماً على مقتل الزرقاوي، ومَن تألم منهم حينما تم اصطياد القائد البطل مختبأ في جحر قذر، نجده اليوم يتألم أيضاً وبحسرة على رحيل الزرقاوي..

والبعض الآخر من العرب الحزانى اليوم على رحيل الزرقاوي، الذين دعوا مراراً وتكراراً عبر خطبهم الجهادية والتثويرية في منابر قناة الجزيرة وغيرها إلى خروج القوات الأمريكية من أرض العراق لأنها تحتل أرضاً عربية إسلامية، نجدهم اليوم يفشلون في دعوتهم تلك، لأن العراقيين وجدوا أن لا مفر من التعاون الأمني والعسكري مع حلفائهم قوات التحالف لدحر الإرهاب البعثي والديني في العراق، وأصبح العراقيون يعرفون جيداً أن مَن يقف خلف دعوات خروج قوات التحالف من العراق أولئك الزرقاويين من العرب والمسلمين لكي يتخبط العراق في أوحال الإمارة الزرقاوية التي لطالما حلموا بها..

ولا نعرف على وجه التحديد كيف سيفسر الفقهاء الإرهابيون أصحاب فتاوى الموت والدمار المتواجدون في كل مكان من عالمنا المنكوب بأمثالهم مقتل الرزقاوي، وهل سيستمرون في إصدار الفتاوى التي تحض ( المجاهدين ) على القتال في العراق انتصاراً للإسلام والمسلمين، أم سيبتلعون ألسنتهم ويخرسون عن اطلاق الفتاوى مجدداً ويتوقفون عن دعم ما يسمى المقاومة العراقية..

لا أحد من الحزانى على مقتل الزرقاوي يريد أن يفهم أن العراقيين هم أنفسهم الذين كانوا وراء دحر الإرهاب ومقتل الزرقاوي، لأنهم يريدون أن يبنوا دولتهم الجديدة بعيداً عن أحلام الإرهاربيين الدينيين بإقامة الخلافة الإسلامية وبعيداً عن أحلام الزرقاويين والتكفيريين والبعثيين والقتلة والمجرمين..

ولا أحد من الحزانى على مقتل الزرقاوي يريد أن يفهم أن عدالة التاريخ كما تحققت في هلاك الطاغية صدام، فإنها تحققت مرةً أخرى في هلاك الزرقاوي ومجاميع الإرهاب الديني البعثي..

محمود كرم

كاتب كويتي

[email protected]