منذ مدة وهنالك تجيير سلطوي عربي لأهداف الملك والسلطة وتأبيد ثقافة إستئصالية في المجتمعات العربية، في كثير من نواحي الحياة العربية وخصوصا في المجتمعات المتفجرة عنفا وفسادا، كما هي الحال في المجتمعات التي تبدو مستقرة بفعل الأمن والمخابرات والقمع. كحال المجتمع السوري مثلا الذي تنتقص المادة الثالثة من دستوره من حق مسيحيي سورية والذين هم الأصل وليس هم من أتوا مع معاوية ومع من قبله واستقروا هنا كحال الكثير من مسلمي سورية. في الدستور السوري انتقاص لمعنى المواطنة، فلا يحق لأي مواطن مسيحي أن يتولى منصب رئاسة الجمهورية ـ صحيح هي ممنوعة على كل السوريين ومحصورة في إرث عائلة واحدة ولكن في الدستور يحق لغير المسيحيين أن يترشحوا لهذا المنصب المحتكر بفعل قوة القمع والعصبيات السلطوية ـ وفي مصر مبارك كذلك الأمر. من هنا تبدأ مأساة المسيحيين العرب وغير العرب الذين يعيشون في منطقتهم وتاريخهم هنا. إن ثقافة التطهير العرقي والديني التي نشهدها الآن ضد مسيحيي المشرق ليست نتاج ثقافة شعبية سائدة منذ زمن بعيد كما يمكن لبعض المحللين أن يوجهوا الدفة. وإن ما يحدث الآن في العراق بعد مجازر حي الدورة في بغداد وإجبار المسيحيين هنالك على خيار واحد لا ثالث له! إما الأسلمة أو الرحيل بشرط أن لا يرحلوا معهم بناتهم! هل هذه ثقافة سائدة في التجربة الإسلامية؟


إن هذا السؤال هو من الخطورة بمكان بحيث يمكن له أن يحرف اتجاه النقاش نحو الجانب المعتقدي وهذا في الحقيقة جانب له حساسيته الخاصة! لأن مفهوم الجزية وأهل الذمة وأهل الكتاب هي مفاهيم من النص القرآني وليس اجتهادا وهنا خطورة المسألة، ومع ذلك لم يمر في تاريخ الدولة الإسلامية ولا اتحدث هنا عما حدث في تاريخ الغزوات والفتوحات الإسلامية سموها كما شئتم بل اتحدث عن تاريخ الدولة الإسلامية في العهود الثلاثة: هذا الشرط الذي يضعونه تكفيريوا العراق لا في الاجتهاد ولا في النص. هذا الشرط هو وليد ثقافة راهنة وهنا نعتقد جوهر المسألة. ثقافة راهنة ل ( دولة راهنة وليست إسلامية ) وهنا المفارقة التي لا يريد بعضهم رؤيتها لأسباب تتعلق بالعديد من العوامل. ولكن أهم هذه الأسباب هو السبب الرئيسي والمسبب لما يحدث هو: السلطة ومفاعيلها وممارساتها اليومية في قلب المجتمعات على مدار أكثر من ستة عقود من الزمن. مرة أخرى الموضوع يتعلق بجوهر السلطة في بلداننا وقبل الانتقال إلى ما قامت به حركة حماس من حرق وتخريب لدير وكنيسة الوردية في قطاع غزة نقول:
أن ما خلفه صدام حسين خلفه: لا مجتمع ولا عهود وطنية ولا مواثيق تجمع هذه المجموعات العراقية المتنافرة دينيا وطائفيا وإثنيا. بل هو الفعل الحقيقي الذي تسرب عن صدام الذي تحول هو نفسه إلى لوثايان ( بدل الدولة الهوبزية وكحال أي ديكتاتور في المنطقة ) إما أنا صاحب الملك او لاملك بعدي أبدا. مرة أخرى أعطوني قوة سياسية عراقية واحدة تدافع عن الدولة العراقية ودستورها وقانونها؟!
إن تأصيل الكراهية في أي مجتمع من يقوم بها هو الفاعل التاريخي في هذا المجتمع! والسؤال هل لدينا في مجتمعاتنا فاعل تاريخي غير السلطة المطبقة على أنفاسه منذ ستة عقود تقريبا لم يتسنى له أن يعيش بحرية. الكراهية لها تأصيل سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي في مجتمعاتنا، لها ثقافتها المخبوءة تحت ثقافة المداهنة لسلطة الدولة القمعية. لكنها في لحظة ما تصبح غير مخبوءة عندما تحين الفرصة. وللأسف هذا الدرس ليس فقط لم تتعلم منه السلطة السورية بل إنها تصدره وصدرته للمجتمعات العراقية واللبنانية والفلسطينية بزعامة حماس.


كيف يمكن معرفة أن دينا كالإسلام هو دين متسامح إن لم يكن يعيش بين ظهرانيه أديان أخرى؟ نحن نعتقد إن ثقافة العداء للآخر هي ثقافة راهنة وليست ثقافة أبدية لاتحول ولاتزول منذ الأزل وحتى الأبد. مع العلم أنه بشكل عام الثقافة الدينية هي ثقافة تتجاهل روح العصر ولهذا هي في عداء مع عصرها أكثر مما هي في عداء مع آخر بعينه. ويصبح الآخر هو جزء من هذا العصر الذي تعاديه لأنها تعتقد أنها هي الصح، وهي الصراط المستقيم. الآخر هو جزء من عصر لا تريد الانخراط فيه ولا في روحيته، فهي تتعامل مع مسائل العصر بأسلوب التقية كمسألة الديمقراطية حركة حماس نموذجا. ماذنب الدير المسيحي في غزة وماذنب السكان المسيحيين مع العلم أنهم تعاملوا أيضا بوحشية أكثر مع جاعات حركة فتح والسلطة! وأي تعاطف سيخلقونه مع قضيتهم في العالم ـ نعتقد انه لم يعد لدى حركة حماس سوى قضية واحدة هي خدمة حليفها الإيراني السوري فقط. لأنه عندما تجتاح إسرائيل غزة ستخبأ حركة حماس الأسلحة لأنها موجهة أصلا ضد الشارع الفلسطيني. كما يحدث في كل اجتياح.


السلطة في المنطقة هي من أسست لهذه الثقافة الحاقدة على الآخر وعلى الذات، وهي لا تريد لهذه الشعوب أن تلتحق بروح العصر لأنها تخاف على الملك. ونحن هنا لاندافع عن هذا القسم من الشعب الذي يحمل السلاح بمواجهة إبن وطنه لأن هذا طبيعي في أي مجتمع يريد التحرر مما هو فيه ولكن هؤلاء يشكلون أقلية. ونحن نعلم أن حركة حماس قد ضحكت على الجماهير الفلسطينية التي انتخبتها. والأنكى من كل هذا يخرج علينا المرشد العام للأخوان المسلمين في العالم: ليدافع عن سلوك حماس. بينما لم نجد له بيانا واحدا يدافع عن الحريات في بلد كسورية مثلا؟
إن العداء للمسيحيين الآن في المنطقة هو وليد ثقافة الكراهية والخوف التي كرستها السلطة العربية. وعلى هذا يجب ان يتوجه البحث وليس العكس.
إن إسلاما غير سمح مع دين آخر. لا أحد يريده في هذا العالم.

غسان المفلح

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف