الحلقة الاولى
لا أزعم انني سوف افسر القرآن لاخواني المسلمين، ولكنني كمسيحي دعٌيت اكثر منهم الى قراءة القرآن quot;لعلني أهتديquot;، وقد فعلت وقرأت فهل أنا مخطيء اذا كتبت خواطري؟، هل أكون مخطئا اذا دافعت عن إيماني الذي اقتنيته باختياري الشخصي وبعد مقارنة كل الاراء؟؟ كمسيحي آمنت بما جاء في الانجيل ان المسيح مات على الصليب وكان هناك كثيرا من الشهود على ذلك سواء من اليهود او الرومان او التلاميذ اوالسيدة مريم العذراء ام المسيح بنفسها، وغيرهم، ثم دفن ثلاثة ايام ليقوم من بين الاموات ويصعد الى السموات على رأس الشهود. ولكن اصدقائي المسلمين قالوا لي ان القرآن يقول انه لم يصلب بل كان على الصليب شخصا آخر بدلا عنه، فقلت لا بد وان استكشف الحقيقة بنفسي، فالموضوع اخطر من أن اخذه بالايمان الموروث فقط، بل يجب ان يكون ايماني هو اختيار شخصي بعد المقارنة والتفكير والتمحيص، وقرأت القرآن لسنوات وانتهيت الى بحث طويل، ليس مجاله ان نكتبه هنا ولذلك فسوف اكتفي بتلخيصه فقط، وبالطبع ارحب بالاجابة على اي سؤال او استفسار فيه.
وكان منهجي في البحث بسيطا، هو انني سألت القرآن اسئلة عن المسيح والصليب، وهي كما يلي:
(1)هل قال القرآن صراحة ان المسيح لم يمت على الصليب؟
(2)هل قال أن هناك شخصا آخر مات على الصليب؟ وما هو أسمه؟
(3)هل قال القرآن ان المسيح سوف يجتاز الموت؟
(4)فاذا قال نعم، هل قال ما هي طريقة الموت الذي سوف يموته؟
(5)اذا قال القرآن ان المسيح سوف يموت ولم يذكر طريقة موته، فهل من الممكن ان يكون المسيح مات على الصليب، وان الآية يتم بتفسيرها بطريقة غير صحيحة؟
وقبل أن ابدأ في كتابة الاجابات التي وصلت اليها في نهاية البحث، احب ان اؤكد وبشدة، انني لا اقصد اهانة القرآن ولا اهانة المسلمين ولا ايمانهم، ولكن يكفي ان اقول بضمير مرتاح انني قرأت القرآن ودرست قصة الصليب فيه ووجدت انها لم تؤثر بقليل او بكثير في ايماني بقصة الانجيل، للاسباب التالية:
------------------------
اسئلة منطقية نوجهها للقرآن
------------------------
( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ
وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) (النساء:157)
وجدت ان هذه الآية القرآنية تثير من الاسئلة اكثر مما تعطي من أجوبة، واليكم الاسئلة التي اثارتها الآية، تعالوا نشترك في البحث عن اجابات لها من القرآن:
(1)الخطاب هنا موجه الى من كان ( قولهم ) انهم ( قتلوا ) يسوع المسيح، وهذا معناه اليهود أو الرومان، اليهود بالتحريض على القتل، والرومان بتنفيذ عملية الصلب، فهي اذا لا تخاطب عموم المؤمنين من التلاميذ (الحواريين) الذين يؤمنون بأن المصلوب هو يسوع المسيح.
فهل تخاطب الآية اليهود أيام المسيح، ام اليهود أيام نبي الاسلام؟؟، فاذا كان الخطاب موجه لليهود وقت نبي الاسلام، فهم فعلا لم يقتلوه ولم يصلبوه ولم يزعموا ذلك، واذا كانت تخاطب اليهود أيام يسوع المسيح، فهم لم يعترفوا بيسوع انه المسيح، فكيف يكون قولهم (قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله)؟؟ معترفين له بأنه المسيح وانه رسول الله؟؟ لقد كانت التهمة الموجه له انه ( يقول عن نفسه) ابن الله، فلو كانوا آمنوا بأنه رسول الله لما قتلوه، ولكن قتلهم له هو عدم اعتراف بانه رسول الله!!!
كما أن اليهود لم يصلبوه، لان الذي فعل ذلك هو الرومان، حيث أن اليهود كانوا في ذلك الوقت تحت الاحتلال الروماني الذي يتولي تنفيذ كل الاحكام المدنية بالنسبة لقوانين العقوبات والخاصة بالاعدام بالطريقة الرومانية وهي ( الصلب ) وحيث ان اليهود ينفوذن حدودهم بالرجم، ( وقد حاولوا اكثر من مرة رجم السيد المسيح بالفعل )، من الممكن ان نفهم تحريض اليهود على القتل، ولكن لا نفهم انهم صلبوه لا شريعة ولا فعلا.
(2)(وما قتلوه وما صلبوه) الآية لا تقول ( وما قتلوه صلبا) بالرغم من انهما نهايتان مختلفتان الا أن تردد القرآن بين نهاية المسيح بالقتل أو بالصلب واضحا، تماما مثل تردد القرآن في نهاية حياة نبي الاسلام فلم يستطع ان يعط نبؤة واضحة وترك الامر معلقا (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ)(آل عمران: 144) ومع هذا ففي الانجيل كان السيد المسيح واضحا في كل نبؤاته انه سوف( يُسلم ليُصلب )( متى 20: 19 و 26: 2) ومع الاختلاف ان إخبار القرآن عن ما حدث للمسيح المفترض فيه انه يخبر عن حقيقة تاريخية، هل قتل أو صلب؟؟ وقد اختلف المفسرون في تفسير الآية بين من قال ان القتل حصل للشبيه على باب البيت، وبين انهم اخذوا الشبيه الى مكان الصليب (وسوف نناقش هذا بالتفصيل في جزئية اختلاف المفسرين).
(3)(ولكن شبه لهم ) وهنا نتسائل هل وقعت الشبهة على المصلوب أم على عملية الصلب ذاتها؟ بمعنى، هل كانت الشبهة لهم انهم اخذوا شخصا آخر غير المسيح وصلبوه بينما كان المسيح مرفوعا ( صاعدا ) آنذاك؟؟، ام انهم أخذوا يسوع المسيح نفسه وصلبوه ولكن هذه الطريقة في القتل كانت ( شبه لهم ) باعتبار ان السيد المسيح قام من بين الاموات في اليوم الثالث، فكأن القتل صلبا لم يكن؟؟ إن صْمت القرآن عن ذكر اسم المصلوب يؤكد ان من كان على الصليب هو المسيح، لانه لو كان شخصا آخر غير المسيح على الصليب لذكر الاسم صراحة، أو على الاقل يقول ( شبه لهم بآخر ) ولكن عدم ذكر أسم شخصا آخر غير المسيح، يكون تأكيدا على أن المصلوب هو المسيح وان الشبهة وقت على القتل والموت بالصليب وليس على شخص المصلوب.( سنناقش هذه النقطة باكثر تفصيل )
(4)(ان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه) ان الحواريين والتلاميذ وامه العذراء لم يختلفوا فيه، وليسوا في شك منه، ولمن اختلفوا فهل يعقل ان يخاطبهم الله بعد اكثر من 600 سنة من ايمانهم بأن المصلوب هو يسوع المسيح ومناداتهم بهذا الايمان الى اصقاع الدنيا المترامية الاطراف، فهل يأتي الله ليصحح المفهوم بعد كل هذه القرون؟؟؟ او ان هذا معناه ان الآية تخاطب اليهود والرومان ولا تخاطب الحواريين، تخاطب الذين ( اختلفوا فيه ) وليس الذين آمنوا على ايمان التلاميذ، بان المسيح هو المصلوب، وقد بينّا ان الخطاب بين الفريقين يختلف، بين فريق مؤمن وفريق قتل المسيح ثم بقيامته كان القتل كأنه شبه لهم؟؟؟
(5)( مالهم به الا اتباع الظن) مرة اخرى ليس هناك بين المؤمنين بالمسيح ظنون في امر الصليب، لقد اجمع البشيرون الاربعة وكتّاب العهد الجديد جميعهم ان يسوع المسيح مات على الصليب ودفن وتم ختم القبر بواسطة الوالي ( بيلاطس) وتم حراسته بواسطة حرس الهيكل الروماني التابع لرؤساء الكهنة، ومع ذلك فالمسيح قام منتصرا على الموت بشهادة الجميع، اليهود والرومان الذين صلبوه، والتلاميذ والحواريين الذين آمنوا به، وقد اجمعوا كلهم على رأي واحد بدون ظن او شك، لانهم كانوا شهود عيان، رأوا وتأكدوا وآمنوا وتكلموا، يبقى ان نذكركم بأن الذين ظنوا هم المسلمين والمفسرين، فهم لم يكونوا شهود عيان، ولم يسعهم الا الاختلاف في التفاسير بدون اتفاق ( كما سوف نذكر ذلك بالتفصيل).
آخذين في الاعتبار ان القرآن يحذر من اتباع الظن بل يحث على الايمان باليقين:
(وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) (يونس:36) و( النجم: 28)
(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (يونس:66)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) (الحجرات:12)
بل نفهم أن القرآن يأمر في حالة الشك بالرجوع الى الكتب السابقة للقرآن (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)(يونس: 94) والذين يقرأون الكتاب قبل الاسلام هم المسيحيون، لان اليهود لا يقولون ان يسوع ( عيسى ) هو المسيح، وموضوع الصليب هو في الانجيل، القرآن في حالة الشك يحيل الامر الى ( الذين كانوا يقرأون الكتاب من قبلك ) وفي حالة عدم العلم الى أهل الذكر (من السابقين) لقوله (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )(النحل: 43 ) و ( الانبياء: 7) وهنا نحن لا نعلم اسم الشبيه من القرآن، ولا نعلم هل مات المسيح قتلا ام صلبا؟؟ ايكون من الخطأ الرجوع حسب نصيحة القرآن الى الانجيل؟؟
(6)(وما قتلوه يقينا) هكذا تختم الآية، وكما ترون فهي لا تنفي الصلب، ولكنها تنفي وقوع القتل، والايمان المسيحي يقول ان القصة لم تنتهي بالموت على الصليب، ولكنها انتهت بالقيامة المنتصرة على الموت، اذا فمن الممكن ان يكونوا قتلوه ظنا ووهما؟؟ حيث انه قام من الموت؟؟ وصعد الى السماء ( رفعه الله ) ولا يتعارض هذا مع ( وما صلبوه ) فاليهود لم يصلبوه بل صلبه الرومان بتحريض اليهود بالقتل، فالآية تخاطب اليهود كما اتفقنا،؟؟ فرق كبير بين ان القول ( يقينا ما قتلوه) وبين القول ( وما قتلوه يقينا)، وهذا ما سوف نتبينه من البحث في القرآن.
---------------------------
البحث في القرآن عن الاجوبة
---------------------------
اولا: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم ):
هل هذه هي طريقة النفي في القرآن؟؟
الحقيقة ان هناك صياغات متعددة في القرآن مشابهة ومطابقة لهذه الصياغة ولا تعطي معنى النفي، فمثلا يقول القرآن: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) (الانفال: 17) هذه الآية تحتوي على صيغة تتشابه مع الآية محل البحث:
( لم ـ ولكن ) وايضا ( وما ـ ولكن )
هل بهذه الصيغة ينفي القرآن عن محمد نبي الاسلام، فعل القتل و الرمي ام يثبته بفعل الله معه؟؟
الآية كما ترون ظاهرها النفي في هذا السياق ( ما رميت اذا رميت يامحمد لكن الله رمى، ولكن باطنها التأكيد على ان محمد رمى فعلا، ولكن الله ايد رميته ( راجع التفاسير )
هذه امثلة اخرى الى صيغة ( ما نفعل) وهي لا تنفي عن الله الفعل ولكن تثبته وتؤكده.
(وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ) (الأنعام:48)
(وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) (الاسراء:59)
(وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ) (الكهف:56)
كل هذه الصيغ القرآنية تأتي في صورة النفي ظاهريا ولكن باطنها هو التأكيد على المعنى، وهناك المزيد من الامثلة القرآنية:
(لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) (البلد:1)
(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (القيامة: 1 ndash; 2)
هل تصدق ان الله عندما يقول لا، فهو يقصد بها نعم؟؟؟
هكذا يقول الائمة المفسرون المسلمون لتفسير هذه الايات ( راجع تفسير الآيات )
اذا فصيغة ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ) ليست بالضرورة صيغة نفي، او على الاقل لايمكن اخذها على هذا النحو الا بعد تمحيص المعنى بدقة هل يقصد بها النفي، ام ان هناك معنى آخر وراء هذه الصياغة؟؟ وهذا ما نحاول الوصول اليه معا.
ثانيا: هل قال القرآن أن المسيح سوف يجتاز الموت؟؟
(1)تنبأ السيد المسيح عن موته في القرآن بقوله (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ) (مريم: 33) وهي نفس النبؤة التي قيلت عن يوحنا المعمدان ( يحي) (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا )(مريم: 15) وقد مات يوحنا المعمدان، ومع الفارق الواضح في الآية المختصة بالمسيح فهي بصيغة المتكلم، فهل مات المسيح وبعث حيا كما قال عن نفسه؟؟
كتب الطبري في تفسيره للآية (عن وهب بن منبه { والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا } قال: يخبرهم في قصة خبره عن نفسه، أنه لا أب له وأنه سيموت ثم يبعث حيا، يقول الله تبارك وتعالى: { ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون }
وقال القرطبي (وَيَوْمَ أَمُوتُ يعني في القبر)، وقال ابن كثير: (وقوله quot; والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا quot; إثبات منه لعبوديته لله عز وجل وأنه مخلوق من خلق الله يحيا ويمات ويبعث كسائر الخلائق)
فاذا قال القرآن بأن المسيح مات، ولم يقل كيف مات ( اذا كانت طريقة الموت بطريقة مختلفة عن الصليب) فيكون فعلا النتيجة ان المسيح مات على الصليب، وان الشبهة هي على قتله ( لقيامته وبعثه حيا ) وليس على شخص المصلوب بشخص آخر.
(2)يقر القرآن ان كل الرسل الذين سبقوا محمد ماتوا (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)(آل عمران: 44 )، يقول ابن كثير في التفسير (quot; وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل quot; أي له أسوة بهم في الرسالة وفي جواز القتل عليه) وهي نفس الكلمات التي ذكرها القرآن عن المسيح (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ )(المائدة: 75)، اي ان القرآن يقر بجواز الموت او القتل على المسيح.
(3)جاء في القرآن: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُل ِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) (البقرة:87) المقابلة قائمة فى موقف اليهود من موسى وعيسي، إذ لا ذكر لسواهما بالاسم، فهي تعطي ايحاءا شديدا بالمقابلة بين تكذيب موسى وقتل عيسى.
(4)جاء في القرآن: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (آل عمران:55)
هذه الآية تتكلم صراحة على الوفاة والرفع (الصعود) بهذا الترتيب، اذا فالمسيح قد رفع الى السماء بعد الوفاة في ختام رسالته، يقول ابن كثير في تفسيره للآية (اختلف المفسرون في قوله تعالى quot; إني متوفيك ورافعك إلي quot; فقال قتادة وغيره: هذا من المقدم والمؤخر تقديره إني رافعك إلي ومتوفيك يعني بعد ذلك وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إني متوفيك أي مميتك. وقال محمد بن إسحق عمن لا يتهم عن وهب بن منبه قال: توفاه الله ثلاث ساعات من أول النهار حين رفعه إليه قال ابن إسحق: والنصارى يزعمون أن الله توفاه سبع ساعات ثم أحياه قال إسحق بن بشر عن إدريس عن وهب: أماته الله ثلاثة أيام ثم بعثه ثم رفعها قال مطر الوراق: إني متوفيك من الدنيا وليس بوفاة موت وكذا قال ابن جرير توفيه هو رفعه ) وجاء في تفسير الجلالين (إني متوفيكquot; قابضك quot;ورافعك إليquot; من الدنيا من غير موت )
ولقول بعضهم ان الوفاة هي الموت صراحة، يحاول بعض المسلمين تفسير الآية بالتفديم والتأخير
يقول القرطبي: (وقال جماعة من أهل المعاني منهم الضحاك والفراء في قوله تعالى: quot; إني متوفيك ورافعك إلي quot; على التقديم والتأخير ; لأن الواو لا توجب الرتبة. والمعنى: إنى رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد أن تنزل من السماء)، اما البعض الآخر فيحاول تفسير الوفاة هنا بانها ليست وفاة الموت وانما وفاة النوم، استنادا الى آيتين من القرآن تتكلم عن الوفاة بمعنى الموت ولكن يفوتهم ان هناك 25 آية قرآنية اخرى تتكلم عن الوفاة بانه الموت ( وسوف نأتي على هذا لاحقا )
(5)جاء في القرآن: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ........ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (المائدة: 116 و 117)
هذا النص يشهد بوفاة المسيح تصريحا لا تلميحا، وقد جاء في صيغة الماضي ( لما توفيتني) وهي ترد على قول بعض المسلمين ان الوفاة هي الموت في الآية السابقة ( آل عمران: 55) وفيها تقديم وتأخير، ( راجع اقوال المفسرين ) ولكن الآية ( المائدة 116 و 117) ترد على هذا، فالوفاة حدثت قبل الرفع وليس بعده، بدليل قوله في الزمن الماضي ( لما توفيتني ) والا لزم ان يكون نص الآية ( لما رفعتني) في انتظار وفاة الموت كما يقولون، ولكن لان وفاة الموت حدثت بالصليب ( قال لما توفيتني ) ثم (بعثه الله حيا ) كما ذكر في (مريم: 33) ثم رفعه ( بالصعود).
وللاختلاف الشديد بين المفسرين في تفسير ( الوفاة) هل هي وفاة الموت أم وفاة النوم، ننتقل الى نقطة اخرى لنرى هل (توفيتني) التي قالها المسيح هي ( وفاة النوم ام الموت)؟؟
وهذا سوف نتناوله في الحلقة الثانية - ان شاء الرب وعشنا -، فارجو من الاخوة القراء صبرا حتى ننتهي من طرح الموضوع كاملا، واعدك ان المقال سوف يرد على كل اعتراض او سؤال قد يخطر على بالك.
خادم الرب:
ميلاد عبد المسيح
[email protected]
التعليقات