طهران طالما کانت تسبح ضد التيار فذلك يعني إنهاquot;سمکة حيةquot;، ذلك ان السمکة الميتة تذهب مع التيار کما يورد في الامثال لانها لاحول و لاقوة لها إطلاقا.

قوة طهران لم تأت من محتوى أو شکل نظامها السياسي کما يحاول الکثير من الکتابquot;العربquot;أن يصورونه في کتاباتهم و لاحتى في کاريزما معينة ترتبط بقادتها وإنما هي ترجع بالاساس الى خلفية تأريخية موغلة في القدم تشرئب جذورها أساسا من بعد حضاري راسخ يمتد لأکثر من 2500 عاما. وقطعا ان إيران قد لعبت في مختلف الادوار و الحقب التأريخية دورا مميزا جسدت خلاله حضورها الخاص.
ولئن جاء الفتح الاسلامي بمثابة صفعة قوية للاحلام الايرانية لکن السقوط الايراني لم يستمر طويلا إذ عاد في عدة صيغ فکرية و سياسية و حضارية لم تتمکن من إمتصاص الضربة فقط فحسب وإنما إستطاعت من أن تقف مرة أخرى على قدميها کند غير مألوف و تقارعquot;فاتحيهاquot;لقرون طويلة بمختلف السبل العسکرية و الفکرية و السياسية، بل وإنها نجحت في أن تجعل من نفسهاquot;النصف الثانيquot;من تفاحة الاسلام و رسمت في ضوء ذلك الخيوط الاساسية لمصالحها في المنطقة.

وحتى أن الصعود القوي لرضا شاه وتلك الجلادة و القوة في شخصيته والتي عکست من خلالها کاريزما إستثنائية تمکنت من إعادة الدماء مجددا في الجسد الامبراطوري للحضارة الفارسية و أوقفتها مرة أخرى على قدميها کلاعبة أساسية و مهمة مع أقوى ثلاث دول في العالم(بريطانيا، الاتحاد السوفياتي، الولايات المتحدة الامريکية) وأفلحت في فرض نفسها و مصالحها على تلك الدول بوجه خاص و العالم بوجه عام، وعلى الرغم من أن أدبيات الثورة الاسلامية الايرانية قد صورت الامبراطور الراحلquot;محمد رضا بهلويquot; کشخية مهزوزة تعاني من الکثير من العقد وإنها کانت مجرد ظل لشخصية أخته القويةquot;أشرفquot; وانه کان تابعquot;ذليلquot;لواشنطن، فإن الحقائق التأريخية تکذب کل ذلك جملة وتفصيلا سيما وأن مايسمى حاليا بالنهضةquot;العمرانيةquot; وquot;العلمية و الصناعيةquot; ماهي في حقيقتها إلا إمتداد و ظل کئيب لکل ذلك الذي بناه الشاه الراحل بطموح کان يجسده في الاحتفالات السنوية بأعيادquot;برسبوليسquot;التي کانت تعيد الى الاذهان حضارة عمرها 2500 عاما.

محمد رضا بهلوي، الذي سعى من خلال أموال النفط أن يرسخ من أقدام إيران کدولة قوية لهاquot;مرتکزاتهاquot; وquot;بنيتها التحتيةquot;الخاصة بها لم يحاول يوما لفرض إملاءات أو وصايات محددة و لاسعى لتصدير أدبيات و أفکار خاصة بنظامه السياسي أو الفکري، لکنه وعندما جاء آية الله الخميني بثورته الاسلامية فقد کانت بمثابة إنتکاسة حضارية مجددة لإيران الشاهات و عودتها مرة أخرى للعب دور quot;النصف الآخرquot; من تفاحة الاسلام وما نجم عن ذلك من کوارث و ويلات و حروب على المنطقة بدأت من الحرب العراقية الايرانية التي أنعشت العديد من مصانع تصنيع السلاح و التي کانت توشك على إقفال أبوابها، ومرورا بما أشعلته و تشعله في فلسطين و لبنان و اليمن العراق و السعودية و دول المغرب العربي من خلال تصديرها لثورتها الاسلامية التي جاءت بمثابةquot;صحوةquot;إسلامية کما إدعت و تدعي أدبيات الثورة الاسلامية ويقينا ان العالم کله بشکل عام و المنطقة بشکل خاص، بات يشعر بنوع من القلق والتخوف من تلك السياسة التي تنتهجها طهران من جراء سعيها المحموم لإمتلاك سلاحquot;أکبرquot;من حجمها الحالي بکثير وإن ما حدث في غزة أخيرا هو ذات الذي حدث في لبنان من خلال فرض قوىquot;مصنعةquot;داخل معاملquot;آيات الله في طهران إن المد و الجزر في الوضع العراقي هو الاخر يشير بقوة الىquot;قوةquot;الدور الايراني و سعيه لفرض إملاءات محددة بعدة إتجاهاتquot;عراقية و عربية و دوليةquot;. إلا أن العودة الىquot;النصف الثانيquot;لتفاحة ليس هناك في الافق من قوة لإعادة إلتحامها بنصفها الاول، ذلك ان هذا النصف عاش أساسا على فلسفة إنشطار التفاحة وليس إلتحامها کما يسعى الکثير منquot;العلماء و المفکرين الاسلاميينquot;. غير ان الامر الذي يجب أن نشير إليه هنا و بوضوح بالغ هو أن هناك quot;خيط رفيعquot;جدا يفرق بين سياسة الدولة الايرانية عندما توظف الاسلام بسياق سياسي لخدمة مصالحها و بين المذهب الشيعي الذي نعتقد تماما إنه براء من هکذا مساعيquot;نزقةquot; وquot;طائشةquot; مثلما نتصور أن هناك فرق کبير جدا بين آيات الله الايرانيين نفسهم، إذ ان آية الله الطالقاني و آية الله الطباطبائيquot;صاحب تفسير الميزانquot; و آخرون غيرهم هم قطعا غير آية الله مصباح يزدي و آية الله نجفي و السئ الصيت والذکر آية الله خلخالي!

وخلاصة القول، هو ان إيران بمعزل عن إستخدام الدين لأغراض سياسية قد تکون أفضل بکثير من دولة تسعى لتکون ظل الله لکن بطراز خاص على رأس کل مسلم و مسلمة وان إيران الشاه التي صفق معظم العرب لسقوطها المدوي قد أکدت الايام إنها کانت أفضل بکثير من إيرانquot;نصف التفاحةquot;الحالية و کانت قطعا أقل منها سلبية في علاقاتها مع المنطقة.

وفي کل الاحوال، فإن إيران جديدة تنهض من بين رکام الشاهات و الملالي و تحاول بناء دولة تنأى بنفسها بعيدا عن الاتجاهينquot;وهو أمر تسعى إليه العديد من القوى الايرانية المعارضةquot;، سوف يکون خيارا أفضل للمنطقة و العالم وان دعم معارضة تمسك العصا من منتصفها سوف يکون أفضل بکثير من شن حرب هوجاء أو حتى فرض عقوبات لن تجدي مع نظام دأب علـى ممارسة لعبةquot;القط و الفأرquot;مع العالم..کل العالم!

نزار جاف

[email protected]

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف