في دردشة عابرة في ميريديان دمشق في نهاية الثمانينات بيني وبين باتريك بيشوب الذي کان انذاك مراسل الديلي تيلغراف في الشرق الاوسط و الصديق عدنان المفتي (رئيس برلمان اقليم کوردستان حاليا)، قلت له اننا في کوردستان کما الفلسطينيون في فلسطين سنبقى ننظر اليکم ولبلدکم کرمز لمعاناتنا ومصائبنا. وقلت له لقد کنتم في فلسطين وراء اقامة دولة اسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني وبالتالي تشريده وخسارته لارضه وحقه في الحياة الکريمة.

قاطعني الرجل بلطف قائلا بانه ليس مستغربا حول الشق الفلسطيني من کلامي، لکنه بدا مستغربا عما اذا کان الکورد فعلا في کوردستان لهم ذات الموقف والمشاعر تجاه بلاده. فحدثته عن دور بلاده والغرب عموما في تقسيم کوردستان واستبدال معاهدة لوزان بمعاهدة سيفرعام 1923، وحدثته عن عدوانية جيش الانتداب بحق الشعب الکوردي وحرکته القومية التحررية بقيادة الشيخ محمود البرزنجي، وعن دور بلاده والغرب عموما في دعم نظام صدام وتزويده بالسلاح الکيمياوي والسکوت على استخدامه لها ضد الکورد في حلبجة وسائر کوردستان.


صورة بريطانيا تغيرت کليا اليوم عند اهل کوردستان، وبالتحديد منذ ان اتخذ جون ميجر و بوش الاب قرارهما التاريخي عام1991 باقامة المنطقة الامنة في کوردستان لحماية ملايين الکورد العزل الهاربين من بطش قوات صدام التي کانت قد تمکنت للتو من قمع انتفاضة کوردستان وعموم العراق. واصبح الکورد اکثر واکثر امتنانا لبريطانيا منذ ان اصبح توني بلير رئيسا للوزراء، الرجل الذي بدا اکثر حزما و وضوحا من سلفه تجاه نظام الطاغية صدام حسين. وکان لتوني بلير الدور الاکبر في جمع شمل المعارضة العراقية وکان لايبخل في استقبال القادة الکورد وشد ازرهم وحثهم على التوحد والتلاحم. والاهم من کل هذا وذاك کان لتوني بلير الدور الکبير في حث واقناع ادارة بوش بضرورة مساعدة الشعب العراقي للتخلص من طاغيته. فاصبح توني بلير الى جانب جورج بوش منذ التاسع من نيسان2003 ابطال التحرير عند العراقيين عموما والشعب الکوردي بشکل خاص، واذا کانت صورتا الرجلين و بلاديهما قد تاثرت بفعل الصراعات الطائفية وتدخلات دول الجوار والاوضاع الماساوية اليومية الناتجة عن ذلك في وسط وجنوب العراق، فان الکورد سيتذکرون الى الابد دور بريطانيا و توني بليرفي تحريرهم واعادة بناء بلدهم الذي کان قاب قوسين او ادنى من الفناء.


لکن ما صححته بريطانيا في کوردستان لم تصححه في فلسطين لغاية اليوم. صحيح ان من الصعب مساعدة من هو عاجز عن مساعدة نفسه، حيث ان بريطانيا والولايات المتحدة لم يکن بمقدورها مساعدة الکورد الا بعد ان تمکن الحزبان الکورديان الرئيسييان من ايقاف نزاعهما وتوحيد رؤاهما والکف عن الارتباط بدول الجوار، فان بريطانيا تحت قيادة توني بلير کان بامکانها بذل المزيد المزيد لاجل قضية الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال اظهار المزيد من العزم وممارسة المزيد من الضغط على ارييل شارون الذي کان شغله الشاغل اذلال هذا الشعب من خلال اذلال رئيسه ورمز نضاله ياسر عرفات، وهذا امر ساهم بلا ادنى شك في تعاظم التطرف الاصولي وصعود نجم القاعدة وحماس وحزب الله..الخ، الامر الذي ضاعف من تعقيدات وصعوبات القضية الفلسطينية.

ومع ذلك فان توني بلير کان متابعا جديا للشان الفلسطيني وقد اطلق مبادرات ومحاولات شتى للدفع بها قدما، لکن الجانب الفلسطيني لم يکن متعاونا بما فيه الکفاية لاسباب عديدة ومعقدة ولاسباب خارجة عن ارادته في بعض الاحيان، وقد کان ذلك ايضا سببا في عدم تحقيق بلير اي نجاح على هذا الصعيد، وهذا هو امر غاية في الاهمية حيث لم يکن لبريطانيا بلير ولامريکا بوش تحقيق النجاح في مهمتهما في العراق لولا تعاون القوى السياسية الکوردية والعراقية معها.


توني بلير الذي ترك رئاسة الحکومة لخلفه غوردن براون قبل يومين لم يتردد في القبول بتعيينه مندوبا عن اللجنة الرباعية حول الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. وفي ذلك دليل على ان هذا البريطاني النبيل قد اختار ان يوظف کل ماحققه من کارير والق ومکانة وحنکة وخبرة سياسية لاجل المساهمة في تحقيق تسوية عادلة ممکنة للصراع الاسرائيلي الفلسطيني. وسيکون بذلك قد ساهم في غسل شيء من عار بريطانيا اللورد بلفور في فلسطين. السؤال هو هل سيمد الفلسطينيون يدهم لمساعدة الرجل في مهمته النبيلة، ام ستکون على شاکلة رد حماس السريع والاحمق باعتبار توني بلير رجلا غير مرغوب فيه في الاراضي الفلسطينية..؟

آسوس جمال قادر
[email protected]

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف