استولَت حماسُ علي غزةِ، دبرَت بليلٍ، اتفقَت علي التآخي نهاراً، ألقَت الأشقاءَ من أسطحِ المنازلِ لما حانَت ساعةُ الانقضاضِ والاستيلاءِ. غزةُ ليسَت مجردَ قطاعٍ صغيرٍ، إنها الواقعُ العربي والإسلامي، دولٌ علي الورقِ، حكوماتٌ، وزراءٌ ومسئولون، مجالسٌ، استيفاءٌ لشكلٍ، السيطرةُ ليست لهم، ليست لمفهومِ الدولةِ. تجمعاتٌ تحتَ الأرضِ، تخططُ وتدبرُ وسطَ خيوطِ العناكبِ ومغاراتِ الثعابينِ، في اليمن، السعودية، لبنان، مصر، الجزائر، دول الخليجِ، الصومال، باكستان، إن لم يكن التدبيرُ علي مستوي الدولةِ فهو مُركزٌ في مدينةٍ تُختارُ مركزاً، حدَثَ في غزةِ، يحدُثُ في الإسكندريةِ بمصر.
الكياناتُ العربيةُ والإسلاميةُ المنتسبةُ لعالمِ الدولِ تفتقرُ إلي مقوماتِ وجودِها واستمرارِها. مرافقُها من مياهٍ وكهرباءٍ ومواصلاتٍ متهالكةٌ، متقطعةٌ، عتيقةٌ. قوانينُها في أجازةٍ لصالحِ أهلِ السلطةِ والحظوةِ. الفرصُ كلُها لدائرةٍ ضيقةٍ من المنتفعين بالأنظمةِ العاملين علي خدمتِها. الجيوشُ لخدمةِ استمرارِ الحكمِ، لا الوطنَ. لا صناعةَ بمفهومِها الصحيحِ ولا زراعةَ تسدُ الرمقَ، اقتصاداتٌ طفيليةٌ، عالةٌ علي عالمٍ لا يحترمُ إلا من يبتكرُ وينتجُ. مفهومُ الوطنِ ضاعَ، بين جماعاتٍ لا تعترفُ إلا بالانتماءِ الديني وأنظمةٍ لا تستهدفٌ إلا بقاءَها ولو علي الخرائبِ.
لم تصمدُ هذه الكياناتُ الهشةُ لأي اختبارٍ، علي مدارِ تاريخٍ طويلٍ من الانكساراتِ والهزائمِ، مؤخراً سقطَ العراقُ، تفتَت في الصراعاتِ المذهبيةِ والعرقيةِ، كأنها الفرصةُ المنشودةُ للتآكلِ. في لبنان رُحِلَ من سَموا أنفسَهم المناضلين المحررين، اِختفوا وظلَت الدولةُ ضعيفةً رخوةً. الدولُ العربيةُ والإسلاميةُ، كلُها نفس الحالةِ، تجمعاتٌ علي مساحاتٍ جغرافيةٍ، لا سيطرةَ للدولةِ إلا علي أجزاءٍ منها، الباقي تحكُمُه القبائلُ والعصبياتُ بالأمرِ الواقعِ ووضعِ اليدِ، العشائرُ في العراقِ، البدو في سيناء والصحراءِ الغربيةِ بمصر وأيضاً العصبياتٌ في الوجهِ القبلي. الاِسمُ لقانونِ الدولةِ، بغيرِ مسمي، السيطرةُ الفعليةُ للأعرافِ القبليةِ والمذهبيةِ والطائفيةِ. كياناتٌ تفتقدُ التجانسَ الثقافي والاجتماعي، متنافرةٌ متكارهةٌ.
لم يعملُ أي نظامِ حكمٍ علي إذابةِ كياناتِ المجتمعِ في بعضِها، علي توحيدِها، الاهتمامُ الوحيدُ لكيفيةِ البقاءِ والاستحواذِ والاستمرارِ. كذلك المعارضون، يرفعون شعاراتِ الجهادِ والقتالِ، أبداً، يزايدون بضربِ الفسادِ وهم جزءٌ منه، يتفننون في جرِ المهاوويسِ.
ضعفُ الكياناتِ العربيةِ والإسلاميةِ بادٍ واضحٍ، مهما صرَخَت وتشنجت، في إيران وغيرِها، مهما افتعلَت الكرامةَ والعزةَ، مهما ادعَت الحكمةَ ورجاحةَ العقلِ؛ من فرطِ تغفيلِها تصورَت أنها قويةٌ، قادرةٌ، مهما جمَعت من جيوشٍ وأسلحةٍ وشعاراتٍ، فهي هشةٌ، هشةٌ، هشةٌ،،
ا.د. حسام محمود أحمد فهمي
التعليقات