لقد اجاد جميل بن معمر شاعر الحب العذري في وصف اشتياقه وعشقه لمتيًمته يثينة فقال:

ألا ليت شعري هل أبيتنً ليلة بوادي القرى إني اذن لسعيد

وهل ألقيْن فردا بُثينة مرة تجود لنا من ودها ونجود

لاادري لماذا يخطر في بالي جميل بن معمر وشعره و قصة ولعه بحبيبته كلما اطالع مقالا جديدا لاحد الاخوة الاعزاء الذين، ابتلوا او بلاهم الله، بمرض الادمان على توجيه السهام، بمناسبة او بدونها، الى الحركة الاشورية تنظيما او قيادة، ترى هل هو الحب، حيث من الحب ما قتل، ولسان حالهم يقول:

ألا ليت مقالي هل أبيتنً ليلة ( بمقر زوعا ) اني اذن لسعيد

وهل ألقيْن فردا ( يونادم ) مرة يجود لنا من ودٍه ونجود

يموت الهوى اذا ما لقيته ويحيى إذا فارقته فيعود

ام هو الموقف الشخصي الذي انتج بغضا وكراهية حد الثمالة، ام ربما هي اللحظة الفريدة التي تزاوج بين الحالين فتجمع الحب والكراهية، وجهان لقطعة نقود واحدة. لقد اعتاد هذا البعض ان يرى في كل طروحات هذه الحركة كفرا ويحمٍل ( العبد الفقير لله ) زوعا كل مشاكل الدنيا فهو المسؤول عن القتل والتهجير والاضطهاد والاكراه على ترك الهوية الدينية وعرقلة تحقيق الحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري في العراق والوقوف حجر عثرة امام تسميته الموحدة، كما ان زوعا يقف خلف الاحتراب بين فتح وحماس في فلسطين وهو الذي اشعل فتيل المعارك بين الجيش اللبناني وفتح الاسلام في لبنان و هو، اي زوعا، متهم بالتسبب في نفوق دجاج مصر و ايصال فيروس انفلونزا الطيور الى اوربا الوسطى وهو الذي يقود حملة لتشجيع انتشار زواج مثيلي الجنس في الدول الاسكندنافية وتهريب حبوب الطلاق الى امريكا الجنوبية و حرمان الاخرين من ربح اية صفقة من صفقات تصدير حبوب منع الحمل الى الصين!

لست محاميا عن الحركة الاشورية، بل أقسو في نقدها احيانا، وارى في النقد فوائد وايجابيات كثيرة، لكنني اعتقد ايضا ان في الذي نعاديه او نخاصمه او نختلف معه توجد على الاقل نقطة او نقاط معدودة يمكن ان نتفق فيها معه او نشهد له فيها كعلامة ايجابية، ولذلك لايوجد في السياسة كما في الحياة تنظيما او فردا هو ( خطأ في خطأ ) من قمة رأسه حتى اخمص قدميه، بل نرى احيانا ان الاشارة الى نقاط التلاقي يخدم في النتيجة عملية النقد حيث قد يكون هذا دافعا للطرف الاخر الى فعل خطوة في المقابل فيعيد النظر في المواقف المختلف عليها، وهكذا يوصف السياسي بالتحجر، على اقل تقدير، إن لم يكن بالساعي لتحقيق مأرب وغايات شخصية، اذا استمر يكيل الخطوات في خط متوازي مع غريمه او منافسه او خصمه، لايلاحظ عليه المتابع جهدا بسيطا لاكتشاف او انشاء اي قاسم مشترك، خاصة عندما يكون ذلك القاسم حاجة يطرحها الظرف كواجب قومي ووطني ومصيري.

نعود الى مسالة انتقاد اداء الحركة الاشورية كونها احد الارقام الفاعلة في دور شعبنا الكلداني السرياني الاشوري، وهنا ينبغي الاتفاق مع الكثيرين في ان هذا الاداء ليس بالمستوى المطلوب الذي نتمناه، ومن اجل ان نكون منصفين في حكمنا هذا علينا ان نبحث عن اسباب القصور التي ادت الى هذا الحكم والتي يمكن تصنيفها الى ثلاثة رزم، هي الاسباب الوطنية المتعلقة بمسيرة العملية السياسية في العراق بعد سقوط النظام، والاسباب المحلية التي تحتوي العمل السياسي في اوساط شعبنا الكلداني السرياني الاشوري خلال السنوات الماضية والظروف التي احاطت وتحيط به واخيرا الاسباب الذاتية التي تخص الحركة الاشورية ومدى نجاحها كتنظيم سياسي في التكيف والارتقاء الى مستوى التصدي للواقع الجديد الذي نشأ إثر سقوط النظام.

مما لاشك فيه ان الاصطفافات الدينية والقومية والمذهبية شكلت سمات سائدة للعملية السياسية التي تبلور شكلها ( كسلطة رسمية بعد ان كانت معارضة سياسية ) بعد الاحتلال، وفي ظروف التنافس والاحتراب بين الكتل الكبيرة من اجل تحقيق أسمك حزمة من المكاسب، مظافا اليه الشعور الغريب لدى تلك الكتل بعدم الاشباع والحاجة الى نهم اي شئ متاح او يمكن الوصول اليه، ترك ممثلي الكتل الصغيرة والاقليات امام واقع صعب وهامش بسيط للحركة، ولنا ان نتصور ذلك على النحو التالي حيث جلس كل هؤلاء حول ( قدر الدليمية ) وبدأ اصحاب الكتل الكبيرة ( الضرب بأبو خمسة واحيانا بابوعشرة ) بينما فُرض على الاخرون الالتزام بكل قواعد الاتيكيت واستعمال الشوكة والسكين. عندما يتحدث السيد عبد الاحد افرام صراحة عن وجود مايسمى ( بالمطبخ السياسي الاعلى ) فان ذلك يتركنا نفهم ان الكثير من القوى السياسية الصغيرة، ومنها قوى شعبنا، تملك حركة مقيدة قد لاتتجاوز بعض خطوات في ( المطبخ السياسي الارضي ) حيث تشارك في وصفة بعض ( المقبلات البسيطة) اما الاكلة الرئيسية فليس مسموحا المشاركة في تحضيرها بل يختصر دورها على محاولة هظمها بكل السبل، ليس لعدم اهلية وجدارة تلك القوى في تحضير تلك الوجبات وانما لاعتبارات سياسية لدى البعض ووربما دينية مذهبية لدى البعض الاخر لكي تبقى الوجبة حلالا. ان الحال السياسي الراهن في العراق أشبه بشارع تزدحم وتقف فيه جميع انواع المركبات ( شاحنات وسيارات نقل وحمل كبيرة وعربات صغيرة ) والكل يريد الوصول الى الهدف ولايقبل بان يصل غيره قبله، ولذلك تسمع معزوفة غريبة لاصوات اجهزة التنبيه ويضيع احيانا صوت ( الهورن الخجول ) القادم من احدى العربات الصغيرة مع اصوات ( الزمارات الهوائية ) التي تم تركيبها على اجسام عربات النقل والحمل الكبيرة القادمة من النجف واربيل والرمادي، اما رجل المرور الامريكي فيقف متفرجا وأن شاء ان يلعب دورا فليس في ذهنه ان يكون ذلك لصالح اصحاب العربات الصغيرة. في مثل هذه الظروف المعقدة حيث اصبحت مهمة هذه القوى الصغيرة التزام جانب الدفاع وتحاول بشق الانفس المحافظة على موطئ قدمها في الساحة يكون من الطبيعي الاداء عاجزا عن تحقيق نتائج جوهرية بل يكون تحقيق جزء من تلك النتائج أشبه بضربة حظ على محرك ( جوجل ) في الانترنيت. اعتقد ان بعض الاطراف التي حلت محل الحركة الاشورية في حكومة اقليم كردستان قد وصلت الى درجة الاقتناع في ضيق حيز الحركة الذي يتيح بتقديم بصمات فاعلة حيث لم نرى خلال فترة استيزارها سوى انها تؤدي واجبا وظيفيا طبيعيا. لكن هذا يمثل احد الاسباب المهمة ولايمكن ان يصبح شماعة نعلق عليها كل اسباب القصور الذاتي الاخرى التي بتفاعلها جميعا نحصل على درجة متدنية في الاداء.

عندما يأتي الحديث الى الاسباب المحلية ووضع شعبنا ودوره وتأثير ذلك على أداء قواه السياسية التي تمثله رسميا في العملية السياسية في العراق فان اول ما يتبادر الى الذهن، ومن خلال نظرة متابعة لجزء كبير من فعاليات شعبنا واعلامه وماينشر يوميا على صفحات مواقعه، هو نجاح قوى شعبنا بامتياز في ارسال بعضها البعض كلا او جزءا الى ( محلات التفسيخ والسكراب السياسي ). ان بعض قوى شعبنا تعطي مثالا ممتازا لما يُعرف عنه في الفيزياء ( باشعاع الفناء ) حيث يصطدم البروتون مع الالكترون ليفني احدهما الاخر ويصاحب ذلك تحرير بعض الطاقة. صحيح ان الفناء الكلي لم يحصل بسبب فارق الكتلة بين الاجسام المتصادمة، إلا ان حدوث خدوش واصابات مختلفة وضياع وخسارة في بعض الجهد امر حتمي. ان بعض الاطراف والكتاب يتهم الحركة الاشورية بممارسة سياسة الاقصاء والتعنت في موضوعة التسمية بينما، وللحقيقة والتاريخ، يرى اي مراقب محايد ان هذه الحركة تبدي مرونة اكثر بكثير من غيرها في هذا المجال. يكتب احد الاخوة الاعزاء عبارة ( شعبنا الاشوري من الكلدان والسريان ) ويكتب ثان ( شعبنا الكلداني من الاشوريين والسريان ) بينما ينبري ثالث ليصف التسمية المركبة بالتسمية المقززة ويذهب رابع الى رفض التسمية المركبة جملة وتفصيلا في حين لاتنكر الحركة الاشورية ان لها تسمية محببة الى نفسها لكنها مستعدة للحوار لايجاد صيغة تتفق حولها الغالبية العظمى من ابناء شعبنا، من خلال المواقف السابقة يستطيع القارئ الكريم ان يحدد الموقف الذي تُستشف منه رائحة الاقصاء والتعنت. اما الحكم الذاتي فالموقف منه سلبا او ايجابا هو اجتهاد ينبغي ان يقيًم في الحالين على اساس ان صاحبه يبغي مصلحة شعبه فيما ذهب اليه. لعلنا نفعل خيرا، ربما سيجازينا الله عليه يوم الدين، عندما نهمس في أذان البعض الذين قرروا، بحماس ولاهداف سياسية، ركوب موجة الحكم الذاتي فنقول لهم ان مطالبتكم بالحكم الذاتي ما كانت ستكون سوى زوبعة بسيطة في فنجان لولا وقوف السيد سركيس اغاجان بثقله المعروف وراء هذه الدعوة، بل اعتقد الى حد ما في ان اتفاق السيد سركيس اغاجان والحركة الاشورية على الية عمل مشترك تتناول قضايا شعبنا ومنها موضوعة الحكم الذاتي ستدفع تلك الاطراف الى اعادة النظر في مواقفها ولن يكون صعبا انذاك بالنسبة لها ايجاد المبررات التي تبيح لها فعل ذلك.

اما الرزمة الاخيرة من الاسباب والمتعلقة بالحركة الاشورية كتنظيم سياسي، فمع كوني اجهل تماما طبيعة الحياة الداخلية لهذه الحركة لانني لست من اعضائها، إلا انني كنت قد كتبت سابقا وتحديدا قبل اكثر من عام ونصف داعيا هذه الحركة الى القيام باعادة تنظيم شامل ( بيريسترويكا داخلية ) يمكن ان تساعدها على الارتقاء الى مستوى التحديات والظروف الانية الجديدة فتلبس ثوب شعبنا مجتمعا وتتجنب ان تُلبسه ثوبها الخاص حتى وإن كان ثوبها المحبب، وتحاكي همومه وتطلعاته كما تبدو في حقيقتها، فكرا وعملا، و يفسح ( الحرس القديم ) في هذه الحركة المجال لدماء شابة جديدة اتية بافكار متنورة، ومن خلال المتابعة لنشاطات وطروحات وتصريحات اركان هذه الحركة على موقع زهريرا العزيز يبدو للعيان ان خطوات قد أُنجزت على هذا الطريق لكن الكثير من الخطوات تبقى بالانتظار. ان هذه الحركة يجب ان تتذكر انها المصدر الرئيسي ( وعلوة البيع بالجملة ) التي تتحمل جانبا من المسؤولية في تسرب جزء من بضاعتها لتجد لها ملاذا على رفوف اكشاك سياسية صغيرة تتولى الان مهمة توجيه سهام الانتقاد لها، ربما شعورا بالاحباط ورغبة في رؤية مشروع البداية بمستوى الامال التي رافقت ولادته، ولذلك فعليها ان تعمل بجهد وتتجنب تفريخ اكشاك جديدة، كما ان شعبنا وفي هذه الظروف الصعبة والمعقدة لن يقف مكتوف الايدي ينتظر الى المالانهاية، ففي السياسة يمثل الزمن عاملا حاسما لايرحم، حيث اقتناص الفرصة وتجديد النفس وتقديمها بالشكل الذي يقنع الجمهور انها جديرة بالتصدي لمهمات المرحلة هو المفتاح الذي يسمح للتنظيم السياسي برفع علمه في الساحة، فها هو ( حزب المجلس القومي الكلداني السرياني الاشوري ) يحث السير بخطوات متسارعة لاكمال هيكله وبناء هرمه تمهيدا للاعلان عن ميلاده رسميا.

د. وديع بتي حنا

[email protected]

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف