ـ1ـ

يجب أن يحكمنا الأمل كما كان يشدد الراحل سعد الله ونوس. والآن نتسائل نحن عن أي أمل نتحدث وأي غايات يحملها هذا الأمل في ثناياه التي لم نرها في سورية بعد. فهل آمال السوريين واحدة ؟
السوريون منقسمون في آمالهم وهذا طبيعي. ولكن المواطن السوري لم يعد له آمالا قياسا بآمال نخبه سلطة ومعارضة. الفرد السوري يعبر عن الواقع أكثر من قولنا المواطن السوري. الأفراد مبعثرون يجمعهم كما يتراءى للكثيرين: الاستبداد والخوف. أين هي الروابط بين أفراد المجتمع السوري التي عبرها يمكن أن يحققوا جزءا بسيطا من آمالهم أو يكتشفوا ذاوتهم بأنها حرة ويتحقق شيئا من الإحساس بها عبر هذه الروابط سواءا كانت أحزابا أم جمعيات مدنية أم تنظيمات أحياء وقرى. لا أعرف يخطر ببالي كثير هذه الأيام الراحل الشهيد ياسر عرفات ربما بمناسبة قيام حماس بإضاعة دموية لما حاول الشهيد الرئيس عرفات بناءه. أذكر في سبعينيات القرن العشرين كانت علاقة عرفات شبه جيدة بدكتاتورنا الراحل. وكان المزاج الشعبي أيضا في حالة شبه تقديسية للشهيد عرفات. بعد أن دب الخلاف بين الأسد وعرفات في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات والخلاف الرئيسي كان على استقلالية القرار الفلسطيني عن النظام السوري.تحول المزاج الشعبي في سورية إلى مزاج تخويني لعرفات. وكذا هي الحال الآن مع رموز الاستقلال اللبناني. وهذه حالة طبيعية لدى المزاج الشعبي الذي تصيغ السلطة تفاعلاته بشكل كبير حتى لو كان هذا المزاج الشعبي يخفي خلف قشرته هذه: أفرادا كل منهم على حدا لا يوافق على هذا المزاج الشعبي بل أنك لو استفيتهم ربما لحصلت على نتائج مخالفة كليا للظاهر. القمع يولد الباطنية حتى في أخص المشاعر الإنسانية فمابالنا بالشعور السياسي ؟ هذه الهذيانات في الحقيقة تلامس شيئا من الواقع السوري المعقد نسبيا. كل هذه الآمال والمشاعر والغايات النبيلة وغير النبيلة أحيانا ـ لكنها قانونية ـ تجمعها وتتوجه إليها بنفس الوقت التنظيم الأرقى الذي أنتجته البشرية حتى الآن وهو الدولة. أما إصباغ مفهوم الوطنية على الدولة فهو جزء من آمال وسياق في قراءات خاصة للدولة ودورها. الدولة هي الرابط المخفي والظاهر للمواطنين الأحرار. ليست بقعة جغرافية فقط، كما أنها ليست خاصة بصفات معينة تطلقها سلطة سياسية عليها أو تطلقها نخب متنوعة. كأن تقول دولة ديمقراطية أو دولة وطنية أو دولة اشتراكية أو دولة..الخ القائمة تطول بقدر تواجد التنوع النخبوي والمصالح في مجتمع هذه الدولة. فهل الدولة الفرنسية هي عند لوبان نفسها عند ساركوزي أو عند رويال ؟ إن الفرنسيين بدأوا ببناء الدولة السورية الحالية كجهاز جامع لمكون ـ من مكونات سايكس بيكو ـ في ثلاثينيات القرن العشرين ـ والسؤال هل ما بنوه الفرنسيين كاستعمار تقليدي: هو دولة وطنية. فهم بنوا الجيش وصار هنالك جيش سوري كان أسمه جيش الشرق. بنوا قضاءا واحد بنوا وزارات مدنية..هل هذه الدولة التي بناها الاستعمار التقليدي هي دولة وطنية أم غير وطنية أم هي دولة خائنة وطنيا ؟ لماذا أبطال معركة الاستقلال في كل دول العالم يحافظون على الدولة التي بناها لهم الاستعمار نفسه ؟ هل لأنها دولة وطنية أم لأنها تنظم شؤون الأفراد والمجتمع بوطنييه ولا وطنييه ومابينهما! لهذا نعتقد أن هنالك احتيالا أيديولوجيا في مفهوم الدولة الوطنية. الدولة لا أخلاق لها ولا مشاعر ولا أيديولوجيا إنها جهاز يعتمد الجدوى في مؤداها الأخير. يجب أن يكون أو هو في جوهره مكون لكي يكون له نفس المسافة بين التيار الناصري والتيار القومي السوري. نفس المسافة بين ما يطرحه الدكتور برهان غليون وبين ما يطرحه الدكتور طيب تيزيني. نفس المسافة بين من وقع على إعلان بيروت دمشق ومن اعتبر الموقعين خونة. نفس المسافة بين الموقعين على إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي وبين من سمى هذا الإعلان بإعلان طائفي.. هذا غيض من فيض إذا أضفنا له أن الدولة هي رابط يربط ساركوزي برويال بلوبان..! فهي تحمي الجميع وتساويهم أمام القانون فهل عندما تحمي لوبان ستكون دولة فاشية ؟! هذه الدولة التي بنيت في سورية على يد الفرنسيين لازالنا نحن السوريين منذ ثلاثينيات القرن العشرين وحتى صدور قرار مجلس الأمن رقم 1701 والقاضي بتشكيل محكمة دولية لقتلة أبناء لبنان ورموز استقلاله. لازالنا نحن السوريين نختلف على أن هذه الدولة الوطنية موجودة أم أنها ليست موجودة ؟ السلطة الديكتاتورية لا تبني دولة وليس من مصلحتها قوة الدولة بل تحاول أن تتلاعب بهذا الجهاز انطلاقا من سطوتها بالقوة والعسكر والإكراه على جهاز الدولة ومجتمعه ووظائفه. لهذا عندما تنهار هذه السلطات انهيارا لا تجد أن هنالك دولة / العراق نموذجا ولا تجد من يدافع عنها. حتى ان المواطن العراقي. يستغرب أن تحدثه عن واجب حفاظه على الدولة. إن قولنا الدائم أن الدولة الوطنية التي تركب على عنقها السلطة ( الوطنية ) في خطر جراء الاستعمار الغربي! ولكن لو بحثنا في العمق لوجدنا: أن الذي في خطر هو السلطة وليس الدولة. ولن أعود إلى الوضع العراقي. والسؤال الآن لاتباع مفهوم الدولة الوطنية: ماهي أحلام السوريين وآمالهم وطموحاتهم ؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى ما الذي يجمعهم الآن ؟ وكل هذا ما موقع الدولة فيه ؟ وماهي المسافة التي تفصل الآن في سورية بين الدولة وبين السلطة ؟ هل شعبنا الكردي يعتبر أن الدولة السورية هي دولته مثلا ؟ هل يشترك بمشترك ما مع ما يشعر به المواطن العربي في سورية ؟ وماهو ؟ هل أبناء الطوائف والأقليات لهم نفس المشاعر والآمال كما هي الحال لدى أبناء الأكثرية الدينية أو البعثية ؟ في هذا القسم حاولنا أن نقارب مفهوم الدولة من زوايا قليلة وليست ذات شأن بالنسبة لكثيري من مثقفي الأمة العربية أو الإسلامية أو السلطوية. ونختم به قولا:
إذا كانت الدولة الوطنية: هي جغرافيا وسلطة ديكتاتورية فأنا شخصيا لا أريدها...

غسان المفلح