-1-
لايسعنا في المساحات المخصصة أن نتطرق إلى كافة الجوانب لهذا المؤتمر من جهة، ومن جهة أخرى علينا أن نناقش المؤتمر أيضا. ثم نناقش وثائقه انطلاقا من الوضعية السورية، وتعقيداتها المترسبة بفعل ترسب مجمل العلاقات السلطوية في عمق المجتمع، والمعارضة السورية ليست خارج هذا المجتمع بكل مافيه. وإن كانت هنالك مسافة بين المجتمع ونخبه فهي تتحدد بمدى قدرة هذه النخب على الدخول إلى حيز الهيمنة الأدبية والسياسية داخل حركية المجتمع السوري. ولهذا على المعارضة السورية مسؤولية جسيمة: فقوى إعلان دمشق على رغم من عدم اتساق رؤاها وعطالتها والخلافات بين رموزها وتياراتها إلا أنها تواجه حصارا من قبل السلطة.
وأما جبهة الخلاص فقد تحولت بسرعة كبيرة إلى خط أحمر لدى السلطة وأجهزتها القمعية. يسجل للمؤتمر أنه حاول أن يتعاطى بإيجابية عالية ومرونة مع قوى المعارضة كلها في الداخل والخارج، دون أن يخلو الأمر من بعض الحساسيات، وكان موقف المعارضة في الداخل موقفا بناءا من المؤتمر، حيث لم تهاجم قوى المعارضة هذه المؤتمر، بل هنالك من رحب بنتائج إيجابية لأي فعل معارض- السيد حسن عبد العظيم أحد قياديي إعلان دمشق، في تصريحاته حول هذا المؤتمر. ماعدا بالطبع مجموعة صغيرة لا تكاد تذكر في الفعل المعارض، وهي تتصدى منذ زمن بعيد لأي فعل معارض لا يكون تحت عباءتها لأنها تعتقد أنها وحدها معيار الوطنية والنزاهة السياسية، ومن خلف تحيزاتها الشخصية وغير الشخصية! وهنا علينا التفريق بين نقد المؤتمر وأعماله وبين تخوين المشاركين فيه! عموما يمكننا القول أن المؤتمر قد لقي صدى إيجابيا لدى غالبية المعارضة السورية، وهذه نقطة إيجابية.
وتقتضي من المؤسسات المنبثقة عن هذا المؤتمر أن تكون على قدر من المسؤولية السياسية وعلى قدر من الفعالية، بحيث تبني على ماتم لا أن تعود إلى الخلف من جديد، وإلى حسابات ضيقة تتعلق بمصالحها كتيارات أو كشخصيات. من الممكن لنا تسجيل ملاحظة أن هذا المؤتمر قد حقق نقلة نحو توسيع التآلفات المعارضة. ولكن من جهة أخرى علينا أن نؤكد أنه كان هنالك داخل أجواء المؤتمر رؤى كانت قد حشرت نفسها في مطالبها الخاصة- وهذا من حقها بالطبع ولكن عليها أن تؤطر هذه المطالب داخل الهم السوري عموما- بعضا من الأصدقاء في الحركة الكردية، وهنالك من حشر نفسه في خطابات المراد منها إعادة حشر المعارضة في محددات هذا الخطاب الخاصة- مثل الحديث عن ثوابت الأمة، والحديث عن ثوابت الهوية العربية الإسلامية لسورية المستقبل، وهذه أتمنى ألا أجدها في الوثائق الصادرة عن المؤتمر، لأن الوضع السوري لا يمكن مواجهته بخطاب مثل هذا الخطاب. التي من المفترض أن تصدر تباعا ويجب مناقشتها! ونحن هنا ليس مهمتنا التصفيق للمؤتمر بل مهمتنا الدفع بالحركة التي تمت نحو الأمام ونحو مزيدا من الفعالية والعمل من أجل أن تكسب المعارضة السورية مزيدا من الشرعية لدى شعبنا السوري ولدى المجتمع الدولي. لأن على المؤسسات المنبثقة عن الجبهة أن تعمل بفاعلية في إنتاج مشروع سوري من أبجديات هذا العالم الذي نعيش فيه ومن متطلباته وشرعياته على المستويات السياسية والحقوقية والاقتصادية، واكتساب الشرعية من هذا العالم يتطلب التعامل مع هذا العالم وفق رموزه وعلائقه، لا وفق رموز واستراتيجيات خطابية من خارج هذا العالم.
ووضع أولوية الانتقال الديمقراطي على رأس الأولويات من جهة وتكريس مبدأ دولة القانون وحقوق الإنسان من جهة أخرى! تكريسها كعنصر محوري لمشروع الجبهة والمعارضة عموما. وإن كان ماتقدم في المؤتمر حول مستقبل سورية أمرا متقدما ويبنى عليه في أن سورية لكل السوريين. وبغض النظر عن موقف هؤلاء السوريين من هذا الفعل المعارض أو ذاك. ثمة ملاحظة سريعة لا بد من تسجيلها أيضا في هذا القسم وهي أن السيد خدام قد بدأت تظهر ملامح جدية على خطابه السياسي تؤكد على القطع السياسي والأيديولوجي مع النظام السابق. وإن كان السوريون ينتظرون أكثر من هذا. ثم من جهة أخرى لابد من القول أن أكثرية المشاركين من التيار الإسلامي كانوا أكثر ديمقراطية ومرونة من قبل.
انطباعاتي هذه ربما لا تكون صحيحة تماما ولكنها تدخل أيضا في إطار تحريك الجو للحوار حول المؤتمر ونتائجه وما هو مطلوب منه.
كما أن حضور الشباب سواء شخصيا أو عبر كلماتهم المؤثرة كان حضورا مهما- كلمة شباب سورية من أجل العدالة التي ألقيت نيابة عنهم في المؤتمر لعدم تمكنهم من الحضور لأسباب أمنية وتقنية- وكلمة الشباب السوري التي ألقتها إحدى الشابات المشاركات في المؤتمر. هذه الكلمة التي لخصت فعلا هموم الشباب السوري، وألقت المسؤولية أمام المعارضة عن مستقبل هؤلاء الشباب. بقيت ملاحظة أخيرة في هذا القسم: ليس المهم من يمثل أية قضية داخل أي مجلس أو مؤتمر المهم بالنسبة لسورية هو حضور القضية نفسها! بمعنى أن القضية الكردية كانت الأكثر حضورا على سبيل المثال:
وهنالك أصواتا كردية كثيرة تقول أن من هم داخل الجبهة لا يمثلون الشارع الكردي! فهل المهم أن يمثل الشخص القضية أم المهم أن تمثل القضية شخوصها؟ أعتقد أن من كانوا داخل المؤتمر قد مثلوا المطالب الكردية خير تمثيل لدرجة أنهم كانوا متعصبين قليلا. وفي الأقسام اللاحقة سنبدأ بنقاش ما صدر عن المؤتمر من وثائق. لن يكون نقاشها إلا لمحاولة مقاربة الوضع السوري عموما وليس مناقشة ذات طابع خاص ونخبوي.
غسان المفلح
التعليقات