تتميز الشخصية الوسواسية ببعض السمات، مثل النظام والنظافة ودقة المواعيد، والدقة في كل الأعمال، تلك السمات يقدرها المجتمع بصورة إيجابية إذا اتسمت بعدم التطرف، إذ أن الإنسان الناجح يحتاج لبعض سمات الشخصية الوسواسية حتى يستطيع تنظيم ذاته وعمله، ولكن إذا زادت هذه السمات عن الحدود الطبيعية، فإنها تصبح معوقة للفرد، تؤثر سلباً في حسن أدائه لدوره في الحياة. وفي هذه الحالة تصبح السمات علامة دالة على وجود أعراض الوسواس القهري.


إن سمات مثل الإفراط في النظافة، والتدقيق في التفاصيل التافهة، والإتقان، والحاجة الشديدة للنظام، والتصلب وعدم الحسم، والتي يطلق عليها اسم وسواسية، توجد في الواقع لدى أشخاص أسوياء، وعندما تظهر هذه الملامح في تجمع لدى شخص ما يستخدم في وصفه تعبير الشخصية الوسواسية، وهذه الخصائص لدى الشخصية الوسواسية ليست بالضرورة اضطراباً للوسواس القهري. ومن هنا يتضح أن الأسوياء قد يعانون من السمات الوسواسية ولكن الفرق بين الأسوياء والمرضى هو فرق في كم هذه الوساوس إلى الدرجة التي تصبح معها معوقة للفرد.


علينا أن نعرف أن هناك فرق بين اضطراب الوسواس القهري والشخصية والوسواسية، فرغم أن كلاً منهما يحركها وساوس obsessions، إلاّ أن هذه الوساوس بالنسبة لأصحاب اضطراب الوسواس القهري تمثل مصدر معاناتهم وعوائق حياتهم العادية أو السوية، أما هذه الوساوس بالنسبة لأصحاب الشخصية الوسواسية فتمثل مصدر فخرهم وتميزهم عن الآخرين.
ويلاحظ أن ثمة ارتفاع في نسبة شيوع اضطراب الوسواس القهري في الوقت الراهن، مقارنة بالتقديرات التي أجريت في القرن الماضي، فاضطراب الوسواس القهري ظل حتى سنة 1983 اضطراباً نادراً، حيث قدرت الدراسات التي أجريت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي نسبة ما يعانون من الوسواس القهري بحوالي 0.05%.


وتبين الدراسات الوبائية الحديثة أن هذا الاضطراب شائع على نطاق أوسع كثيراً مما كان يعتقد، وهناك تقارير تشير إلى أن انتشاره على امتداد العمر يصل إلى 3% لدى مجموع السكان. أما نسبة المرضى بهذا الاضطراب بالمقارنة بمرضى الأمراض الأخرى خاصة المترددين على العيادات النفسية تقدر بـ: 10%. كما أن هذا الاضطراب شائع كثيراً بين النساء، وبداية الإصابة في اضطراب الوسواس القهري عادة ما تكون في سن المراهقة، أو مرحلة الرشد المبكرة، بالرغم من أن هذا الاضطراب قد ينمو في مرحلة الطفولة. كذلك يعد هذا الاضطراب من أكثر الاضطرابات النفسية ألماً ومعاناة، وتبدو تلك الاضطرابات واضحة في أشكال من السلوك، أو الأفكار المختلفة عند المصاب بها.


واضطراب الوسواس القهري من الاضطرابات التي يسهل وصفها، وتشخيصها، والتعرف عليها، فهي شديدة الوضوح، بعكس معظم الاضطرابات النفسية التي تحتاج جهداً ووقتاً طويلاً لوضع تشخيص دقيق لها. ومن خلال استخدام المقاييس النفسية، يمكن التوصل إلى صورة موضوعية عن الوسواس القهري ومدى انتشاره في بيئة معينة.


وأهم ما يميز اضطراب الوسواس القهري هو الوساوس المتكررة، أو الطقوس القهرية التي تكون شديدة إلى درجة أنها تسبب الإزعاج والكرب للشخص، ولا يستطيع الشخص مقاومتها. وتختلف هذه الوساوس عن الهذيان من حيث إن الشخص الواقع تحت تسلطها يشعر بها ويشعر بسخافتها، وقد يرتعد من شدة شعوره بانحطاطها، وهو يقاومها شعورياً.


وطبقاً للدليل التشخيصي والإحصائي الرابع DSM-IV الصادر عن جمعية الطب النفسي الأمريكية فإن تشخيص اضطراب الوسواس القهري يتطلب وجود وساوس أو دفعات قهرية.وتعرف الوساوس بأنها أفكار مقاومة، أو معتقدات يخبرها الشخص على أنها مقتحمة وغير ملائمة، وتسبب قلقاً ملحوظاً أو شعوراً بالكرب، أما الدفعات القهرية، فتعرف على أنها سلوكيات متكررة، أو أفعال عقلية يجد الشخص نفسه مدفوعاً لأدائها، أو استجابة لوسواس، أو طبقاً لقواعد متصلبة.


ويرتبط الوسواس بالقهر ارتباطاً وثيقاً، فالوساوس تولد القهور. فإذا تسلطت الأفكار الوسواسية على الفرد، فإنه يلجأ إلى أساليب سلوكية معينة لكي يتغلب على القلق المصاحب لتسلط هذه الأفكار. أما الأساليب التي تنجح نسبياً في تخفيض القلق، فإنها تميل إلى أن تثبت وتأخذ شكلاً قهرياً. ويلجأ إليها الفرد كلما ألحت عليه الأفكار الوسواسية. كذلك فإن السلوك القهري يتضمن درجة من الوسوسة، لأن هذا السلوك يقابل بمقاومة من جانب الفرد ورغبة شديدة في التخلص منه، مما يدفع الفرد إلى التفكير ومحاولة تفسير هذا السلوك، وهو تفكير ذاتي اجتراري بين المريض ونفسه، أي نوع من الوسوسة.


وتختلف نظريات علم النفس الرئيسية في تفسير أسباب اضطراب الوسواس القهري، فترى النظرية التحليلية أن الوساوس والسلوك القهري ما هما إلاّ أعراض لصراعات نفسية داخلية المنشأ، نتيجة خبرات الفرد في المرحلة الشرجية، يجد الفرد فيها طريقة آمنة نسبياً للتعبير عن أفكاره ومشاعره المكبوتة.
ويفسر السلوكيون اضطراب الوسواس القهري في ضوء نظرية التعلم، فالمبادئ التي تفسر السلوك السوي هي نفسها المبادئ التي تفسر السلوك غير السوي، والوسواس القهري شأنه شأن أي سلوك متعلم من البيئة تحت شروط التدعيم.


وبالتالي فإن الأفكار الوسواسية تكون لها القدرة على إثارة القلق، أي نمط جديد من السلوك قد تم تعلمه، والأعمال القهرية تحدث عندما يكتشف الشخص أن عملاً معيناً مرتبطاً بالأفكار الوسواسية قد يخفف من القلق، وتدريجياً وبسبب الفائدة في تخفيف القلق فإن هذا الفعل يصبح ثابتاً من خلال النموذج المتعلم للسلوك.
ويشير أصحاب النظرية المعرفية إلى أن العوامل المعرفية ذات أهمية أساسية في اضطراب الوسواس القهري، فاضطراب الوسواس القهري ما هو إلاّ مظهر لنمط معرفي معين. وبالتالي يشخص اضطراب الوسواس القهري في ضوء النظرية المعرفية على أنه أفكار مشوشة، ومزعجة، ومضخمة، وتحدث مصادفة، وتكون محرضة لتصبح طبيعية وحقيقية. أما السلوك القهري، فهو سلوك علني مثل تكرار الاغتسال، أو إعادة الفحص، ويأخذ شكلاً من السلوك المعرفي. وهذا التتابع من الأفكار والسلوك يقود إلى آلام، وبؤس، واضطراب، ويؤدي إلى السلوك المزعج، بالإضافة إلى الأفكار الانهزامية، وإلى سلسلة من الخسائر المستمرة.

د. آمال عبد القادر جودة

** أستاذ الصحة المشارك بجامعة الأقصى- غزة