لن تجد بيانا أو تصريحا أو تعليقا لعناصر أو قيادة تنظيم القاعدة يخلو من الدعوة الى القتل، أو التفاخر بالقتل والإقرار بارتكاب الجريمة من قبل تلك المنظمة الإرهابية، ولن تجد دعوة لاتقترن كلماتها بالتوعد بالقتل والويل والثبور، حتى بات أسلوب القتل منهجا متعارفا عليه في تنظيمات المجموعات الإرهابية، كما بات توزيع الاتهامات والمستهدفين من قبل تلك العناصر يزيد عن الحد المعقول، فالأكراد والشيعة والسنة في العراق عملاء للأجنبي ينبغي قتلهم جميعا، والمسيحيين والمندائيين والايزيديين كفرة ينبغي ذبحهم، والشرطة والجيش وكل موظف حكومي في العراق خائن يستحق الموت، وعشائر ألأنبار وزعمائها متعاونين مع الصليبيين ينبغي استباحة دمهم.
ليس على وجه البسيطة من لايموت، باعتبار أن الحياة رحلة لابد وان تنتهي، غير أن الإنسان يموت بحتفه أو قدره أو منيته بأمر من الله تعالى، أما أن تقوم مجموعة من البشر بممارسة القتل بشكل منظم ومستمر، فهي لا ترتكب الجريمة بإصرار فقط، ولا ترتكب المعاصي والكبائر فقط أيضا، إنما ترتكب مخالفة لأوامر الله وكتابه المقدس، حين تعين نفسها قاضيا ونائبا عن الله، فتوزع الاتهامات والأحكام على الناس دون أنفسها، ودون الالتفات الى ماتقوله الناس عنها، فلا يهمها أقوال الناس ولا تستمع لصوت العقل، ويعميها التحجر الفكري والانغلاق العقلي فلا تجد غير فكرها المشوب بالقتل والإرهاب منهجا وطريقا، ولاتجد غير مايقوله قادتها حقا وصحيحا وكل ماعدا ذلك باطل ويستحق القتل ولاشيء غير القتل، حيث صار منهجها وسمة من سماتها الأساسية.
غير أنهم ولأرتكاسهم في الجريمة التي صارت لهم منهجا، تناسوا أمر الله سبحانه وتعالى حين يقول (( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا )).
وماكان لمسلم أن يقتل أنسانا بغير ذنب، وحذرت الكتب السماوية جميعها اللجوء الى القتل بأي شكل كان، وما سلوك عناصر التنظيمات الإرهابية التي تعتمد القتل أسلوبا إلا تعبيرا عن تلك المعاصي والكبائر، قبل أن تكون تعبيرا عن الأمراض النفسية والعقلية التي تعانيها تلك العناصر، فتلجأ الى اعتماد كل قاصر عقليا متوهما أن الناس جميعهم عملاء وخونة ومرتكبي المعاصي والمنكرات، وبالتالي لايوجد مصلحين في الأرض سوى عناصر تلك الجماعات التي تتوهم الدين في السلوك الإجرامي والممارسات الإرهابية، وتفهم الدين سلاحا ومتفجرات وأموال وبالتالي دماء وأشلاء وقتلى، ارضاءا لنوازع مريضة وخطيرة دفينة تنبعث الى الوجود الآدمي.
ومن يتمعن في قضية المجرم السعودي الجنسية أحمد الشايع الذي ارتكب جريمة تفجير شاحنة محملة بالغاز ومشحونة بالمتفجرات في منطقة المنصور ببغداد، وأحترق نتيجة تلك الجريمة، في حين تمكن من قتل 12 عراقيا مدنيا بريئا وجرح أعداد كبيرة أخرى، وبقي حيا نتيجة العناية والمعالجة الطبية، حيث تم تسليمه الى المملكة بصفقة سرية تدلل على رخص الدماء العراقية والاستهانة بأرواح الناس، كما تعبر عن مدى استخفاف الحكومتين العراقية والسعودية بتلك الأرواح الطاهرة حين يبقى المجرم طليقا لايطاله القانون، غير أن اللافت للنظر أن المجرم المذكور يجزم انه أستغفل في هذه العملية، حيث تم إبلاغه انه يقود الشاحنة وينزل منها لتقتل الجنود الأمريكان، غير أنها انفجرت حال وصوله الى منطقة مدنية آمنة، لتقتل الأبرياء قبل نزوله منها.
أن هذه الأساليب التي تعتمدها التنظيمات الإرهابية في استغفال الضحايا من المنتحرين والتفجيريين لاتدل فقط على اعتماد الحيلة والخداع والاستغفال، إنما تدل على سذاجة بعض البهائم المنتحرة التي تستغل أجسادها في عمليات القتل، بعيدا عن معرفة مكنوناتها العقلية.
وستبقى التنظيمات الإرهابية تتغنى بتلك البهائم التي تقود نفسها اليها طوعا تحت تأثير أساليب الخداع التي يمارسها بعض رجال الدين، حيث يتم تزيين أمر الانتحار كقضية جهادية ضد العراقيين، بالإضافة الى الشحن الطائفي الديني منه أو السياسي الموجه ضد أهل العراق، فيتم استغلال تلك البهائم التي اشتهرت بها المنطقة، وصارت علامة فارقة ومسجلة بين العرب، وستبقى الى زمن غير قصير حتى يتم ردع تلك المنابع والأصوات التي تدعو للقتل تحت شتى المزاعم والستائر، وستبقى تؤدي دورها الخطير في أروقة المساجد تحت مظلة المذهبية والطائفية والنزعات المريضة المتكلسة في عقول المروجين للجريمة.
وإذ تأتي الأخبار التي نشرتها صفحات الكترونية عرض laquo;أميرraquo; ما يسمى laquo;تنظيم دولة العراق الإسلاميةraquo; المرتبط بـlaquo;القاعدةraquo; جائزة قيمتها 100 ألف دولار لمن يقتل رسام الكاريكاتير السويدي الذي قدم صورا مسيئة للإسلام. كما تعهد أبو عمر البغدادي بهجوم جديد في العراق خلال شهر رمضان وبمزيد من الهجمات على الايزيديين، تعبيرا على أن الجريمة صارت الملاذ الوحيد والهاجس الأساس التي تعتمد عليه تلك التنظيمات.
وجاء في تسجيل صوتي للبغدادي نشر على مواقع أصولية متطرفة على الانترنت أنه (( يدعو إلى اغتيال رسام الكاريكاتير لارس فيلكس الذي تجرأ وأساء إلى نبينا، عليه السلام، ونعلن عن جائزة في هذا الشهر الكريم تبلغ 100 ألف دولار لمن يقتل هذا المجرم ))، وهكذا وبكل بساطة يمنح المجرم القاتل مبالغ لمن يمارس فعل القتل تحت زعم الإساءة الى النبي، غير انه ينسى الجائزة التي يمنحها لمن يسيء الى أمر الله والرسول والدين، وينسى انه يحرض على القتل ويبذل المال في سبيل ارتكابه ويمهد الطريق للمجرم، ويترك نفسه معصوما من الذنوب، حيث أن البشرية جميعها مذنبة عدا تنظيم القاعدة باعتباره الفرقة الناجية!!!.
كذلك أعلن البغدادي، الذي لم تنشر له أي صور على الموقع، وهو مؤكد من العرب الذين ابتلوا بالجريمة وتوفرت لهم سبل ارتكابهم، وزين له الشيطان أنه أميرا حقيقيا وبالتالي فأن استمراره بارتكاب تلك الجريمة يزيده قوة ومركزا ومهابة، وبالتالي فأنه يرهب العراقيين، حيث انه يحل في الزمن الخطأ مستغلا ما يمر به أهل العراق من ظروف احتلال وتمزق طائفي وتناحر مذهبي وشرخ سياسي كبير، وهذه الشخصية لم تكن تستطيع أن تنفذ بين العراقيين أو أن تحل بينهم في الظروف الطبيعية، حيث يلفظه أهل العراق بكل أديانهم ومذاهبهم، ويكفي أن الإرهابي المذكور لايستطيع إن يذيع بياناته بنفسه حتى لاتفضحه اللغة، فهو لابغدادي ولاعراقي، ولايمت للبشر الأسوياء بشيء، ولهذا يعمد الى تكليف أحد لإذاعة بياناته بديلا عنه.
ولن نستغرب من وجود بعض بهائم العراق مقادين تحت تلك الظروف والزعامات الإرهابية، تحت ذرائع وأسباب شتى، ولنا في المختل عقليا المتحزم بالمتفجرات المقبوض عليه في السماوة دليلا على استغلال تلك النماذج، بالإضافة الى المعوق جسديا الذي انتحر لقتل الشهيد عبد الستار أبو ريشة، مستغلا عطف الحماية على وضعه الإنساني ليقطع سبيل المعروف.
ومن يطالع بيان الإرهابي المذكور وهو يصف عملية الذبح كالخروف يدرك سعة المرض الذي يجتاح عقله القاصر، ويدرك أيضا مقدار خطورته الإجرامية في تلذذه بأساليب القتل وتعذيب البشر، ويمكن إن تعبر تلك الأساليب عن خطوط المنهج الإجرامي الذي تعتقد به التنظيمات الإرهابية، حين تضع الدين وأسسه جانبا وتنهج منهجا إجراميا باسم الدين هو منهجها الثابت حتما.
كما أن التباهي بارتكاب تلك الجرائم يمثل خطا آخر من خطوط المنهج الإجرامي المريض لتلك العناصر، ومن تلك الأمراض الهدية التي يقدمها المجرم المذكور الى المقبور الزرقاوي، حيث يتفاخر انه خطط ونفذ عملية قتل أكثر من 500 مواطن أيزيدي مدني من الأبرياء.
ولم يأت المهووس بالقتل بشيء جديد حين يتوعد الأيزيدية الأبرياء بالقتل، لأن المنهج بات مفضوحا وواضحا، ولأن أساليب القتل أضحت العمل الوحيد الذي تقوم هذه العناصر به.
وبالرغم من الله تعالى نهى عن قتل النفس بغير حق شرعي، إلا أن عناصر القاعدة عينوا انفسهم وبعضهم حكاما شرعيين للأمة، وبالتالي ابعدوا انفسهم عن الاتـهام وثبوت ارتكاب الكبائر، كما أكد الإسلام أنه لايحل دم أمريء، وان زوال الدنيا عند الله أهون من قتل الإنسان البريء، ومن قتل مظلوما فقد جعل الله لوليه سلطانا، وأن لايسرف في القتل.
يقول عالم النفس السعودي منصور التركي أن ما يقف وراء ما يحدث هو التفسير الخاطئ للإسلام، وهو مادرجت التنظيمات ألإرهابية وذيولها على أشاعته بين الناس لكسب بعض العقول القاصرة والمتوهمة، وأن المهمة الملقاة على رجال الدين الحريصين على سمعة دينهم ومستقبله تصحيح الأفكار وفضح تلك الأساليب الإجرامية وكشف حقيقة الدين الإنسانية.
كما أن المهمة لاتقع على عاتق المؤسسات الجنائية في ملاحقة فلول القاعدة والتنظيمات المتطرفة، بل ينبغي التوسع والتعاضد بين المؤسسات الجنائية والدينية والإصلاحية، بقصد تحصين الشباب ومنع وقوعهم تحت التأثير المخادع والواهم في استغلال أجسادهم المنتحرة في التفجير، سواء منها أن كانت بقناعتهم تحت الوعود الكاذبة والدجل الديني، أو تحت استغلال فرط سذاجتهم في قيادة السيارات المفخخة التي تنفجر بهم بتخطيط شرير من جماعاتهم، بعد إيهامهم أنهم يوصلونها الى مناطق محددة لتنفجر بعد نزولهم منها، حيث يتم تفجيرها قبل نزولهم واحتراقهم بها.
واليوم وبعد أن أوغلت التنظيمات الإرهابية في قتل العراقيين الأبرياء، ألا نجد انه من الأوجب أن يتم فضح الإمدادات المادية التي لم تزل مستمرة لم تتوقف عن تلك المجموعات الإجرامية حتى اليوم؟ ألا نجد انه من الأفضل أن يتم فضح الدول والشركات والشخصيات التي تدعم هذه التنظيمات وتمولها وتمدها بالسلاح؟ إلا نجد من الأفضل أن نكشف عن الشخصيات والفضائيات والصحف وشبكات الإنترنيت التي تتعاون مع هذه التنظيمات فيطالها القانون؟
ألا يحق للناس التساؤل عن سبب احتفال قناة الجزيرة القطرية بالأشرطة التي تبثها منظمة القاعدة الإرهابية، وما تمثله من دعوات للقتل وتحريض عليه، وبالتالي السعي لتزويق تلك البيانات والدعوات المريضة عن طريق بعض الأصوات الداعمة للإرهاب، تحت زعم التحليل السياسي، استمرارا لمنهج الخداع الذي التزمت به القاعدة في الترويج للإرهاب على أنه عمل ديني محض، والتبرقع بعباءة الإسلام، غير مبالين بما يولده رد الفعل لهذه الجرائم على الإسلام والمسلمين، ودون وجود محاسبة أو إدانة أو موقف من علماء الدين الإسلامي من هذا الموقف، بالإضافة الى ما يلمسه الإنسان في كل مكان من انحطاط وخسة في أساليب تلك الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية ولا يحرك شعره في ضمير المسؤولين عن تلك القنوات، في جرائم الذبح والقتل وقطع الرؤوس، والاستمرار بمساعدتها إعلاميا.
هل تبقى تلك الألغاز التي تدور في ذهن الناس عن مصادر التمويل، وعن مواقف بعض الدول، وعن مساهمة قنوات فضائية بالتحريض تحت زعم كراهية الولايات المتحدة ومساعدة العراقيين في التخلص من احتلالهم البغيض، وعن الكثير من الحقائق التي لم تزل مغيبة عن عقل الإنسان الضحية في كل مكان!!
وأمام منهج القتل الذي تعتمده القاعدة وبعض التنظيمات المنبثقة عنها أو المتعلقة بها، سواء في البلدان المتخلفة اجتماعيا أو سياسيا، أو في مناطق أخرى، فأن الضحية هو الإنسان الذي أكرمه الله بالتفضيل وحفظ له حياته إلا بأمره، الم يحن الوقت ليتم القضاء على المجرم ومعاقبته وفقا للقانون والاقتصاص من القتلة الإرهابيين والابتعاد عن استخدامهم ورقة ضمن مخططات المصالح الدولية؟ ألا تكفي تلك الدماء والضحايا من الأبرياء والمدنيين؟ ومتى ستتوقف اللعبة؟
وإذ تقف اليوم بعض عناصر تنظيم القاعدة على أرض العراق، فأنها تعلن بداية مقتلها ونهايتها، كل الأحلام المريضة لأبن لادن ومعه كل مرضى العقول، وحين يعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن مقتل زعماء عشائر الأنبار العراقية في فندق المنصور، وحين يتبنى عمليات تفجير الأسواق وكراجات النقل العام وأماكن تجمع العمال، أو حين يعلن مسؤوليته عن مقتل عشرات المئات من الايزيديين أو مسؤوليته الخسيسة في عملية استشهاد البطل عبد الستار أبو ريشة، وحين يتبنى التنظيم عداءه السافر لعشائر العراق وقواه السياسية والدينية والاجتماعية، فهو يعبر عن حقيقته الواضحة في معركته الخاسرة ضد شعب العراق، وتلك المعركة مقتله النهائي الذي لن تنفعه بياناته التي تبثها قناة الجزيرة القطرية ولا صفحات الانترنيت المحمية أمريكيا.
زهير كاظم عبود
التعليقات