يبدو ان الموت كان وسيبقى عنوانا مرادفا للعراق والعراقيين لعقود طويلة سابقة واخرى مازالت مستمرة ولااحد يستطيع الجزم بنهاياتها التي طالت اكثر من المعقول بكثير. وهاهي اخبار العراق الدموية تنقل خبر استهداف واستشهاد الشيخ ستار ابو ريشة.

هذا الرجل العراقي بحق والوطني بحق والذي قام باعظم انجاز تاريخي في مدينة الرمادي عندما طرد ارهابي القاعدة الاوباش. وهذا انجاز كبير في عراق اليوم يسجل لهذا الرجل الشهيد، الذي تبارى بعراقيته اكثر من اي عنوان اخر. هذا الرجل الشهيد الذي تبارى ايضا بانسانيته العالية عندما بطش بالحق بكل عصابات التسليب والقتل الطائفي في مدينة الرمادي وخاصة على الطريق الدولي الى سوريا والاردن. ولم يجعل الطريق اكثر امن فحسب بل اصر في احيان كثيرة على استقبال وتوديع المسافرين على الطريق بطريقته العراقية الخالصة والمميزة من خلال تقديم ولائم من الاكل والشراب لكثير من المسافرين كنوع من بث مشاعر الاطمئنان للمسافرين.

ومع كل هذا وغيره الكثير كانت (هيئة علماء السنة ) والحزب الاسلامي العراقي وجبهة التوافق السنية تصفه في كثير من التصريحات بانه وجماعته quot; عصابات قطاع طرق!!quot; وكان المطلوب ان تكون دماء العراقيين المسافرين على الطريق الدولي ورقة مساومة بيد هولاء!! وكذلك ان تبقى مدينة الرمادي بكل أرثها العشائري والاجتماعي رهينة بيد الاوباش من القاعدة، الذين تمادوا باجبار بعض العوائل في المدينة على تزويج بناتهم العراقيات الى الارهابيين من خارج الحدود الذين جاؤا ليعبثوا بدماء وطموحات العراقيين. لكن ابو ريشة كان اكبر من كل هولاء الاوباش ومن دعمهم ومن استخدمهم ورقة مساومة لكسب مناصب سياسية. فرفع صوته وسلاحه بوجه الاوغاد وطهر الرمادي منهم.

ان مشروع عراقي وطني بهذا المستوى العالي. كان لابد ان يثير الكثير من الضغائن لدى تجار الموت العراقي. لانه وببساطة جردهم من كل الادعاءت الوطنية الفارغة التي كانوا ينادون بها زورآ. لقد سحب ابو ريشة البساط من تحت اقدام quot; الناعقين quot; بشعارات الوطنية والقومية الفارغة.

ولقد اثبت الرجل على الارض قبل الاقوال ان للوطنية سمات وحدود وملامح لاتاتي مع الشعارات الرنانة والمؤتمرات المشبوهه كمؤتمر اسطنبول الطائفي الذي وقف فيه عدنان الدليمي يغرد بصوت عالي وهو يصف غالبية شعب العراق من الشيعة العرب quot; بالصفويين quot; ويعترف بصوت اعلى بقوله نصا quot; انا طائفي quot;. لم نسمع من ابو ريشة ارباع هذه المفردات ولم يسجل عليه quot; على الاقل في العلن quot; انه دخل باللعبة الطائفية المقيته في العراق. ولم نسمع يوما انه شتم طائفة او طالب لطائفة اخرى، بل كان الرجل الشهيد يتكلم بعراقيته الخالصة. وهذا هو التفسير المنطقي للحزن الكبير الذي اصاب كل العراقيين دون استثناء بسبب مقتله. فلقد حزنت البصرة وميسان والنجف وكربلاء كحزن الرمادي والموصل عليه. ولقد اقيمت الكثير من مجالس العزاء في العراق وفي اوربا على روح هذه الشهيد البطل.

لذلك فمن الغرابة ان يطالب عدنان الدليمي بتأسيس مجلس عشائري في الرمادي بديلا عن مجلس الصحوة الوطني هذا. وكأن ابو ريشة قد ترك خلفه منصبا وفراغا لابد من اشغاله.!! الرجل الشهيد لم يترك منصب حوله بل خلف صحوة وطنية صارخة في عراق اليوم تلعن الطائفية والطائفيين في كل شبر من ارض العراق سنة وشيعة دون استثناء. وهذا ليس منصب منصوص عليه بالدستور او بالقانون بل هو شعور وفعل وطني وهي بذرة خير، لايحتاج طريقها الى الكثير من الذكاء لايجاده. فبدون مزايدات طائفية، من يريد يخدم العراق والعراقيين الطريق امامه واضح مثل وضوح الشمس. خاصة بعد ان اثبتت الطرق الطائفية انها طرق متعرجة وبشكل حاد لايمكن معها ان تمشي الامور بنفس طريق الوطنية والرجولة والشهادة التي سار عليها ابو ريشة نحو مشروع عراقي وطني، رغم ان الرجل كان يعرف مسبقا الثمن الباهض لمثل هكذا مشاريع على ناصية مذبح الموت العراقي الذي لايريد له البعض ان ينتهي. هذا البعض الذي سار على طريق معاكس تماما من خلال القتل والتسليب والاختطاف والمساومة بدماء وحرمات الابرياء وكسب الملايين من هذا السحت الحرام والجلوس في عمان ودبي والدوحة وغيرها لاصدار بيانات البطولة الفارغة والمقاومة البائسة. فالمقاوم الحقيقي والكبير في الرمادي هو الرجل الشهيد البطل ابو ريشة وليس اولئك تجار الموت العراقي وان اختلفت تسمياتهم. فشتان بين من يحتضن الارهاب ويفجر سيارة وسط سوق في بغداد او في مسجد في الفلوجة وبين من يسهر الليل ليحرس المسافرين على الطريق الدولي في الرمادي.

محمد الوادي
[email protected]