الانتهازية نتاج موهبة كبيرة. فالانتهازي الذي يتلون كالحرباء حسب المكان والزمان، ويسوق نفسه كسلعة لهذا الطرف السياسي أو ذاك، يتمتع بطبيعة الحال بموهبة كبيرة، ومهارة يفتقدها الملتزم والمؤمن بقناعاته السياسية، والتي قد يظل متشبثا بها حتى لو قادته إلى التهميش والإهمال، او العيش في ظل معاناة قاسية، هذا إذا لم تقده إلى التصفية او المشنقة من قبل النظام الذي لا يهادنه.


الانتهازي، يغير مواقفه وقناعاته بنفس اليسر والبساطة التي يغير بها قمصانه. وهو لا يفعل ذلك إلا مقابل منافعه وأهوائه الشخصية. لذلك فهو أناني، مغرق في النرجسية، يعمل على أن يظل في الواجهة دائما حتى لو كان ذلك على حساب كرامته. وهو بذلك يستطيع أن يقول اسود، لما كان يعتبره بالأمس بياضا ناصعا. وان يصف الاحتلال بالتحرير، ويغرقه بقصائد المديح والثناء، وان يقول للجبان: ياعنترة، وللخائن: يا غاندي!
الانتهازي لا يثبت على حال، وهو شمام جيد لرائحة مصالحه، وهو صوت سيده في كل مكان وزمان. ولا يزال المشهد العراقي حافلا بمثل هذا النمط من البشر. اليوم يهتف باسم الحزب الفلاني لأن مصلحته تتطلب ذلك، وغدا يدبج المقالات والقصائد الحماسية لقادة الحزب العلاني، إذا وجد عنده مركزا أفضل ودولارات أكثر.


كم من الانتهازيين الذين كانوا من مطبلي النظام السابق نجدهم اليوم في هذا الحزب او ذاك، أصبحوا اليوم يدشنون موقعهم الجديد بتوجيه الانتقادات إلى النظام البائد الذي كانوا إحدى أدواته، أو في مركز متقدم في صفوفه.
حدثني صديق بأنه أعرب عن قلقه لصديقه الذي كان مسؤولا مهما في حزب النظام السابق من المصير الذي ينتظره قبل احتلال القوات الأمريكية المنتظر لبغداد، فما كان من صاحبه إلا أن قهقهة ضاحكا قائلا:
ـ يالك من ساذج يا صديقي العزيز.. وهل تعتقد إنني سأنتظر حتى يعتقلونني؟ يا عزيزي سأكون أول من يهرع للأمريكيين مقدما لهم الورود ومعاتبا إياهم: لماذا تأخرتم في إنقاذنا من الديكتاتور!..ثم أعانقهم فردا فردا وأقول: الآن أشرقت شمس الحرية في العراق!


الانتهازي يجد دائما مبرراته سواء إذا كان صحفيا أو كاتبا أو سياسيا، في تبرير انتهازيته بأن المرحلة تتطلب ذلك، وهو يقصد بذلك مصلحته بطبيعة الحال، والا كيف لنا أن نفسر استمرار نفس الوجوه في السياسة والثقافة والصحافة في البقاء على الواجهة خلال المرحلة السابقة والحالية في العراق؟
حقا أن الانتهازية السياسية نتاج موهبة كبيرة قائمة على التضليل والنرجسية وتقديم المنافع الشخصية على أية مصلحة أخرى، والانتهازيون بطبيعة الحال ممثلون كبار، يتقمصون أدوارهم بجدارة بغض النظر عن الزمان والمكان والحدث، ودون أي شعور بالغضاضة لكون ماضيهم معروفا عند القاصي والداني، يستمرون في التمثيل ماداموا سلعة رائجة عند الحزب الفلاني أو الجهة العلانية.


تحول العراق اليوم إلى مدرسة كبيرة في تخريج الانتهازيين من كل صنف ولون، انتهازيون في ادوار البطولة، وانتهازيون من الدرجة العاشرة، أي كومبارس. لكن حتى هذا الكومبارس يعمل ما بوسعه لإظهار مواهبه وقدراته على أمل أن يسدى إليه سيده، مستقبلا دور البطولة المطلقة في السيناريوهات الجديدة التي تعج بها العراق.

نصرت مردان