الوطن هو ذلك التعريف الهلامي الذي يتسع ليشمل كل شيء ويُرتَكَب كل فعل باسمه في الدولة القومية الشمولية وهو بالحقيقة ليس الا مساحة من الارض يسكن عليها قوم اومجموعة اقوام تجمعهم قوانين مشتركة وتفصلهم حدود عن اوطان مجاورة.


الشخص الوطني في الدولة الديمقراطية هو ذلك المواطن الملتزم بقوانين الدولة والقائم بواجباته واهمها الانتخاب ودفع الضرائب بغض النظرعن لونه وعمره وجنسه وعرقه واصله وفصله.
اما في الدول العربية فصفة الوطنية المتميزة تكتسب بالوراثة فقط، فهناك درجات للمواطنة قد لاتكون معلنة او منصوص عليها في قانون ولكنها مفهومة ضمنا.


فلايمكن ان تكون مواطن من الدرجة الممتازة الا ان تكون من طائفة اوعشيرة اومدينة الرئيس او الملك او الطبقة الحاكمة وهؤلاء هم اكبر عالة على الوطن لانهم اول من يستفيد وأخر من يضحي وهم طفيليات تعتاش على جهود المظلومين الذين جمعهم الوطن معهم.
على اصحاب الدرجات الدنيا من المواطنة ان يعطوا كل شيء للوطن دون ان ياخذوا اي شيء لانهم خلقوا لكي يموتوا من اجله.

الوطن مختزل بشخص الحاكم بالمفهوم السياسي القومي العربي وكرامة وسيادة الشعوب تستمد من كرامة وسيادة حكامها وليس العكس ويمكن للحاكم العربي ان يزج شعبه في حرب مدمرة اذاما شعر ان احدى الدول انتقصت من كرامته وسيادته شخصيا، وماكنته الاعلامية جاهزة على الدوام بوصف هكذا حروب على انها دفاعا عن السيادة الوطنية رغم انها في حقيقها دفاعا عنه شخصيا وعن مكتسبات أهله.
يجب التعاون مع الشياطين لخيانة هكذا أوطان لان عدم خيانتها هي الخيانة بعينها (كما يقول الشاعر الكبير احمد مطر).والخيانة هنا هي اعلى درجات الوطنية لأن الخونة الحقيقيون هم أولائك الذين استولوا على السلطة عنوة والتصقوا بالكرسي الى ان يشاء الله ومن ساندهم من المجتمع في تبرير حكمهم quot;المدا-حياتيquot;.


كان على المواطن الذي لاينتمي الى قومية ومذهب الحكومة ان يؤكد على الدوام انه مواطن جيد وولائه المطلق للعراق (الطبقة الحاكمة) فقط فهو (وعلى عكس مواطني الدرجة الممتازة) مدان بنقص الوطنية حتى تثبت برائته. ولكن لم تطمئن سلطة البعث الى هذا التاكيد الدائم من هذا المواطن المسكين فقررت تعريبه ففرضت على غير العرب من الكورد والتركمان والكلدوأشوريين الانتماء الى القبائل العربية وحمل اسمها لمسخ تاريخهم القومي وصهره في بوتقة عربية بدوية وحتى هذه القومية العربية وحدها ماكانت تكفي لضمان ولاء الشيعة العرب فشملهم عطف الرئيس المشنوق بالحملة الايمانية التي قادها عزة الدوري بدعم من بعض الأطراف الشعبية في دول الخليج العربية لتبشيرالشيعة العراقيين بالفكر الوهابي وقد نجحت الحملة في شراء عدد لاباس به من ابناء الجنوب العراقي بسبب العوز الشديد الذي عصف بالعراقيين ايام الحصار في تسعينات القرن الماضي وانحسار دور الحوزة العلمية في النجف لما لاقاه قادتها من اضظهاد واغتيالات في تلك الفترة.

قيل ان احد الوهابيين الجدد في مدينة السماوة هدد بتطويل ذيل quot;الدشداشةquot; والعودة الى ايامquot;الكفرquot; في حالة استمرار تأخر الراتب قائلا باللهجة العراقية quot;كلولهم تره والله اطك الكفة اذا مايودون راتبيquot;. (اهم علامات اتباع الفكر الوهابي هو تقصير الدشداشة الى نقطة ما بين الكعب والركبة وكشف السيقان النحيلة المشعرة).

أما أعلام هذا النوع من الدول فلابد لها ان تعكس رغبات الحاكم وتجسد افكاره الاستبدادية.
لقد اقترنت الشعارات الوطنية ومراسيم رفع العلم العراقي واللون الزيتوني لبذلات منتسبي البعث والقوى الامنية واللون الاحمرلقبعات جنود الانضباط العسكري،اقترنت بالموت والرعب والتعذيب فمقتها المواطن العراقي للحد الذي اضحت معه مفردات ك quot;الوطن،العراق، الامة العربية، الاشتراكية، الثورة،العلم،البعث،فلسطين،القدس والأمن.....الخ مخيفة لانها ارتبطت بكل معاني الديكتاتورية السادية البغيظةكتب احد المشتركين بانتفاضة آذار1991 على جدار احدى بنايات مدينة خمسة ميل في البصرةquot;يسقط العراقquot;.


ترتعد الأمّهات العراقيات هلعا عند رؤية العلم العراقي لانه يذكرهن بايام كان فيها نذير شؤم عندما كان يغلف توابيت مئات الآلاف من ابنائهن من ضحايا الحرب العراقية ضد ايران (دفاعا عن الوطن) وبحفلات اعدام ابنائهم الهاربين من الجيش في ساحات كرة القدم وسط اهازيج الرفاق(الوطنية) وهلاهلquot;ماجداتquot; الاتحاد العام لنساء العراق وكذلك أولادهن الذين دفنوا احياءا في مقابر جماعية فلا زالت كرات القدم تذكر امهاتهم بهم كما كان طلوع الفجر ومغيب الشمس يذكر الخنساء بصخر.

تحية مني لابناء وطني من الكورد لاهانتهم هذا العلم وعدم رفعه في ربوع كردستان العراق (او اللاعراق لايهم عندي فهذا شأنهم وحدهم). لايجب ان يلومهم احد على ذلك لان نفس هذا العلم كان يرفرف خفاقا على جماجم اطفالهم ونسائهم وشيوخهم وتحته لعلعت الكلاشنكوفات في اعراس الدم الجماعية في عملياتquot;الانفالquot; (ضد الخونة من اعداء الله والوطن).


العلم العراقي الحالي يمثل مرحلة مظلمة من تاريخ العراق وهو رمز للتطرف القومي العربي وارتكبت المجازر باسمه والأعلام لاتصنع الشعوب بل على العكس فان الشعوب هي من يصنع الأعلام فلماذا هذا التشبث بعلم هو عبارة عن قطعة قماش بأربعة ألوان ترمز الى افكار متطرفة بربرية بالية؟

لقد تغير العلم العراقي مرات عدة فلماذا لايمكن تغييره الآن؟ لماذا نتهم الكورد باللاوطنية وهم الذين فضلوا ان يبقوا جزءا من العراق (وهم القادرون على الاستقلال) دون ان نضحي بتغييرعلم البعث من اجل ان يشعروا انهم،كمواطنين عراقيين، اهم بالنسبة لنا من قطعة قماش تذكرهم بمجازر القومجية العرب ضد اهلهم؟ ام هي عقدة القومية واحتكار الوطنية؟

ليس فقط الكورد من لايحترم العلم الحالي بل انا العربي ( مشكوك في نسبي حيث انني متهم بالصفوية) وغالبية ابناء الجنوب لايحترمونه.
هل لازلنا اسرى افكار البعث رغم نفوقه؟
لماذا لانستطيع التخلص من ادبيات البعث ومعالجة بثوره التي ملات الجسد العراقي؟

لانصاف الحقيقة وعدم فرض نسخة راديكالية قومية لتعريف الوطنية على الضحايا والتخلي عن النزعة العربية الشوفينية الاستعلائية وكجزء من الاعتراف بطغيان واجرام قطعان البعث العربي بحق شريحة كبيرة من ابناء العراق، علينا ليس فقط تغيير العلم لابل شطب مرحلة البعث (1963-2003) من التاريخ العراقي تماما.


نعيم مرواني
[email protected]