-1-
برنامج ستار أكاديمي وغيره من برامج المنوعات الغنائية الراقصة المبهرة، الذي تقدمه محطة الإرسال اللبنانية وغيرها من محطات التلفزة اللبنانية، من البرامج التي تبشر بمستقبل قريب للحداثة في العالم العربي، بل هو مطالع الحداثة الفنية بعينها.
وهذا الكلام، لا يُعجب، ولا يُرضي 99 بالمائة من المجتمع العربي ذي النسق المحافظ والتقليدي. ولكن الذي يبشر بالخير، أن هذا البرنامج في دوراته الأربع، قد تمثل فيه شباب وصبايا من مختلف أنحاء الوطن العربي، وخاصة من البلدان المحافظة والتقليدية كالسعودية والكويت وغيرهما من بلدان الخليج.
-2-
أنا من الحريصين جداً على مشاهدة هذا البرنامج اسبوعياً، ومنذ سنوات. وتكاد لا تفوتني حلقة من حلقاته إلا إذا كنت مسافراً. وأطرح جانباً أي كتاب في يدي سواء كان لهيجل، أو ابن رشد، أو ابن خلدون، أو فؤاد زكريا، أو سبينوزا جانباً، واتسمّر أمام التلفزيون، عندما يحين وقت البرنامج.
وسر اعجابي بهذا البرنامج، هو أنه يستقطب الشباب والصبايا، من أجل تقديم وجوه جديدة للفن الغنائي والفن الراقص. ويبعدهم عن التحليق مع طيور الظلام، والالتحاق بفرق الموت، والأحزاب الدينية، وقوافل الانتحاريين في العراق، وفلسطين، ودول الخليج.
إنه يبث فيهم حب الحياة، وليس طلب الموت.
يدفعهم إلى الغناء للحياة والأمل، وليس النشيد للانتحار والنحر.
يُري الشباب الحور العين في الدنيا، وعلى الأرض، وليس في الوعد والخيال.
ويعِد الشباب بالحور العين، ليس مقابل تفجير أجسادهم في أجساد عشرات الأبرياء كل يوم، ولكن مقابل الابداع والاتقان والعطاء في الحياة.
-3-
أنا أحرص مساء كل يوم جمعة على أن أشاهد ستار أكاديمي. وأفضل مشاهدته على مشاهدة، أو سماع أية خطبة سياسية كاذبة وملفقة، لأي سياسي عربي، من باعة السمك الفاسد.
أحرص على مشاهدة برنامج ستار أكاديمي، وافضله على أي برنامج نقاش سياسي (ملغوم) و (مبرمج) و (مطبوخ) بعناية، من أجل خدمة أيديولوجية معينة، أو نظام حكم معين، أو توجّه سياسي معين.
أحرص على مشاهدة ستار أكاديمي، وأفضله على أية خطبة يلقيها الشيخ يوسف القرضاوي، أو حسن نصر الله، أو حارث الضاري، أو محمد مهدي عاكف مرشد الإخوان المسلمين. فكل هؤلاء وغيرهم من quot;السيادينيينquot; سرقوا الدين وسرقوا السياسة كذلك، وامتطوها من أجل منافعهم، وتحقيق مآربهم السياسية. في حين أن شباب وصبايا ستار أكاديمي، لم يسرقوا، ولم يكذبوا. وجاءوا إلى ستار أكاديمي، من أجل أن يقدموا لنا مواهبهم بكل صدق، دون وسيط، أو محسوبية، أو رشوة، أو جاه، أو سلطان، أو عصا، وبكل حرية، وبكل ديمقراطية.
فالمكان الوحيد الذي يمارس فيه العرب حريتهم في الاختيار، وديمقراطية الانتخاب، دون تزوير، ودون رشوة، ودون خوف من قبضايات الزعيم، هو ستار أكاديمي.
-4-
لو تحوّل العالم العربي كله إلى ستار أكاديمي، فيه الشعب العربي يرقص، ويغني، بشبابه وصباياه في الشوارع والأعياد والمناسبات الاجتماعية، لما كان للارهاب بيننا مكان اليوم.
لو أصبح العالم العربي مسرحاً من مسارح ستار أكاديمي، لعمَّ فيه الأمن والأمان، وخلا من لصوص الوطن، وارهابي الوطن، وقتلة الأحرار.
لو كانت في كل بلد عربي روح بين مواطنيه، كالروح الموجودة بين شباب وصبايا ستار أكاديمي، لكنّا بألف خير ونعيم، ولنام الحمل في حضن الثعلب، ولما كان بيننا لا ابن لادن، ولا الظواهري، ولا الزرقاوي، ولا الحمراوي، ولا الصفراوي.
-5-
ستار اكاديمي هو برنامج للحياة.
صندوق الدنيا العجيب.
عندما تشاهده، لا يمكن لك أن تشعر بأنك في العالم العربي، عالم القبائل الدموية، وعالم القتل على الهوية، وعالم تفخيخ عشرات السيارات اليومية، وعالم الكذب والشعوذة، وعالم الاعلام المحكوم من قبل رجال دين، وعالم الحلال والحرام الكاذب، وعالم الفساد المالي والسياسي، وعالم الحجاب والحُجب، وعالم الخوف من عذاب القبر، وعالم الفقر، والتخلف، والأمية التي تبلغ ضعف مجموع عدد الأميين في العالم كله، كما قال تقرير منظمة quot;الاليسكوquot; لعام 2005.
فمثل هذه البرامج، ومثل هذا العالم الخيالي والواقعي، لا تنتجه غير شعوب متقدمة، ومزدهرة، وراقية، ومحبة للحياة والسلام.
فهل حقاً نحن نملك كل هذه المواهب الزاهرة؟
نعم نملك كل هذه المواهب الزاهرة، ولكننا ننتظر اليد السحرية، والعقل الساحر، والموهبة الساحرة، التي تخرجها من قمقم الخوف، والفزع، والقمع، والتهديد بعذاب جهنم.
-6-
كلما شاهدت حلقة من حلقات ستار أكاديمي عاد التفاؤل إلى نفسي، والسكينة إلى قلبي، بعد نهار مليء بمشاهد التشاؤم والغثيان، من خطبة لحاكم كذاب، إلى تصريح لسياسي دجال، إلى مقال لغافل عن الحق، إلى برنامج سياسي ساذج لا يعقله حتى الأطفال، إلى فتوى رجل دين نصاب، إلى أخبار القتل والتفخيخ، وكأننا في غابة وحوش.
مشاهدة ستار أكاديمي وصفة طبية، للذين فقدوا الأمل بالغد.
مشاهدة ستار أكاديمي، دواء ناجع، لنسيان الخيبة العربية اليومية الكبرى.
مشاهدة ستار أكاديمي، تنسيك أنك في عالم يحكمه نسق ديني، رجعي، تقليدي، ومحافظ مغلق.
مشاهدة ستار أكاديمي، تُفرح قلوب كافة المشاهدين من كل الأعمار. وأنا متأكد بأن 99 بالمائة من مشاهدي التلفزيون، بما فيهم شيوخ الدين، وشيوخ القبائل، والأجداد، والجدات، والآباء، والامهات، يشاهدون هذا البرنامج علانيةً وخفيةً، ويتمنى كل واحد منهم، أن يكون أحد هؤلاء الشباب، أو الصبايا. رغم كل ما يتعرض له هذه البرنامج وأمثاله من هجوم شنيع وكاذب على منابر المساجد، وفي الحلقات الدينية، وفي دروس الظلام، وفي حظائر المدارس، وفي أعمدة الصحف المصفحة ضد النور والتنوير.
-7-
ستار أكاديمي، وغيره من برامج المنوعات المثيلة له، في محطات التلفزة الأخرى، هي صورة لبنان الحقيقي، ولا يمكن أن تتم وتُبث في بلد عربي غير لبنان.
لبنان، بلد الفن، والجمال، والألوان الزاهية. لا بلد السياسيين السارقين الناهبين، الذي يضعون مفاتيح الأوطان في جيوبهم، ويغلقون الوطن الدكان، وكأن الوطن أصبح دكاناً لهم، متى أرادوا فتحوها، ومتى أرادوا أغلقوها.
لبنان، بلد المغنى والمعنى، لا بلد العمائم السوداء، والبيضاء، والخضراء.
لبنان، بلد الحداثة، والعلمانية، والحرية، والديمقراطية، ومن هنا يسعى العرب، كل العرب، إلى اصطياد وقتل هذا الطائر الغريب في سماء العرب المُغبرّة.
لبنان، بلد الخضرة، والزهر، والموال، لا بلد الدماء، والتفجيرات، والقتل العربي في عزّ الظهيرة.
ستار أكاديمي هو لبنان، المفترض أن يكون، بعيداً عن العرب والعجم، وأحقادهم السوداء، واطماعهم، ومصالحهم، وحروبهم الوهمية الدونكشوتية، ضد الريح.
قلبي الذي شاخ، يتحول إلى بساط أخضر، مليء بشقائق النعمان والدحنون، عندما أشاهد كل يوم جمعة ستار أكاديمي، وأشم فيه رائحة لبنان.
السلام عليكم.
التعليقات