لإنهاء الأزمة التي حولت الكويت إلى بلد النكد السياسي
من سيسقط من يد الأمير أولاً... المجلس أو الحكومة؟
د- سامي النصف: الديمقراطية في الكويت تحولت إلى لعبة quot;شبيك لبيكquot;
محمد الوشيحي: الحكومة فاشلة ورئيسها لا يملك القرار
علي البغلي: البرلمان الكويتي شعبوي ويدغدغ عواطف الناس
نايف الراشد: الحكومة لا تملك أي خطة للتنمية
النائب المليفي يتحول من quot;شريرquot; إلى quot;بطلquot; بعد استقالة الحكومة الكويتيون بانتظار الأمير لتحديد مستقبل الحياة البرلمانية الكويت... توتر طائفي ودماء جديدة لجراح قديمة |
ممدوح المهيني - إيلاف: ليس علىأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، الذي وصل الليلة الماضية بعد أن قطع إجازته في المغرب، إلا أن يصدر قراره لإنهاء الأزمة العالقة في هذا البلد الصغير. فهو إما أن يسقط الحكومة أو يسقط مجلس الأمة. ولكن خلف هذه الخيارات الواضحة، وغير المربكة، يوجد عالم من التعقيد والنكد السياسي والمماحكات والضجيج الإعلامي الذي حول هذا البلد الصغير إلى أشبه بإستديو لبرنامج يبث على مدار الساعة، ويتخصص بالنقاشات الساخنة. ولكن الأمير قد ينهي الأزمة، ولكن لن يحل المشكلة، فقد بات واضحًا لدى الرجل العادي، حتى خارج الكويت، أن هذا البلد يعاني من مشكلة ما، ويأخذ هذا الفهم أحيانًا صور ساخرة، فما إن بدأت أخبار حل المجلس تنتشر في وسائل الإعلام حتى باتت تتردد المقولات الفكاهية في مواقع الإنترنت والمدونات والديوانيات عن هذا المجلس الذي ما إن يبدأ حتى يحل. الفن الساخر الحقيقي يتم استنباطه من الواقع، والواقع السياسي في الكويت أصبح ساخرًا لدرجة يتحول فيها إلى لحظات وكأنها مشاهدمن إحدى المسرحيات السياسية للفنان الكويتي سعد الفرج. وهو أيضًا أصبح محرجًا للطبقة الإعلامية والمثقفة والأكاديمية في الكويت التي ترى بأنه هبط لأدنى مستوياته وأصبح يبعث برسائل خاطئة ومشوهة عن الديمقراطية إلى الدول المجاورة. يعتقد د.سامي النصف، الكاتب والمحلل السياسي، أن المشكلة في الوضع المتأزم في الكويت يكمن في جذور العملية السياسية ويضيف:quot; لدينا مشكلة كبيرة في الثقافة السياسية. حل المجلس أو تغيير الوزراء لن يقوم بتغيير أي شيء.
حتى أن التعديلات التي يمكن أن تحدث لن تغير شيئًا. ستكون مثل حبوب ( البنادول) تزيل الوجع لوقت معين، ولكنه سيعود مرة أخرى. يجب أن نذهب إلى أصل المرض إذا أردنا أن نشفىquot;. ويشبه النصف بأسلوب ساخر العملية السياسية بقصة المارد الذي يخرج من المصباح ويطلب من علاء الدين أن يطلب ما يريد ويضيف :quot; أسلوب شبيك لبيك المتبع لدينا في الكويت عجيب جدًا، وهو غير موجود من ديمقراطية أثينا وحتى الديمقراطية الجديدة الناشئةquot;. طريقة المارد quot; النائب في البرلمان quot;وعلاء الدينquot; المواطن الكويتي باتت تعكس جزءًا مهمًا من العمل السياسي في الكويت والثقافة السياسية والاجتماعية، ويمكن أن تراها بشكل علني. قصص نواب البرلمان الكويتي تملأ الحياة العامة في الكويت، وتحولت الصورة العامة عنهم من شخصيات سياسية محترمة تساهم في قيادة البلد وازدهاره إلى شخصيات فاسدة تقوم بنشاطات غير لمشروعة للناخبين، مثل التوسط لهم للتوظيف وإدخال المستشفيات والقضايا الأمنية، وذلك من أجل ضمان أصواتهم في الانتخابات القادمة. يقول النائب في البرلمان علي الراشد: quot;نعم هناك نواب فاسدون، ولكن هذا موجود في كل مكان في العالمquot;.
أمير الكويت قطع زيارته للمغرب |
كما أن مواقفهم المعلنة التي يرددونها في وسائل الإعلام هي تعكس بوضوح حرصهم على مصالحهم الخاصة، وعدم رغبتهم في تعكير رغبات الناخبين حتى لو كانت مضرة في البلد. فقد دخلوا في صراع مرير مع الحكومة من أجل منع محاولاتها إزالة الدواوين الموجودة على أراضٍ خاصة بالدولة بسبب أن هذا الموقف يعكس مزاج الناخبين لديهم (أحد النواب أخذ يلح على ولي العهد الكويتي في اجتماع خاص حتى يؤخر أو يلغي موعد إزالة الديوانيات، وهو يقول له: quot;هل نبشر الناس بالخيرquot;). كما أنهم تسببوا بأزمة كبيرة وهم يطالبون بإسقاط القروض على المواطنين وكأن الدولة تقدم هبات للناس. تحول النائب الكويتي إلى مارد مطيع جدًا لرغبات الناخب الكويتي التي تعكس سيكولوجيته الأنانية المهتمة فقط بمصالحها الفردية. يقول الكاتب علي البغلي: quot;الطريقة التي يعمل فيها مجلس الأمة الكويتي هي طريقة شعبوية خالصة. غالبية النواب يريدون أن يدغدغوا عواطف الجماهير من خلال الاستجوابات والإطاحة بالوزراء. عندما يقوم نائب بإطاحة وزير سيكسب شعبية كبيرة بين الناخبين، وإذا كان يملك ألف أو ألفين من المؤيدين سيكون لديه عشرة آلاف.
علاقة النواب في البرلمان مع الوزراء في الحكومة مسمومة حتى قبل أن تبدأ . فقد قام النواب بمهاجمة الوزراء بطريقة شرسة، وغير منطقية في أوقات كثيرة، وبإمكان نائب واحد أن يستجوب وزيرًا ويدخل البلد في الكامل في دوامة الجدل والنكد. لقد قام الوزراء بملاحقة عدد كبير من الوزراء ونجحوا كثيرًا بطردهم من الوزارة. يقول د.سامي النصف: quot;العلاقة بين الوزراء والنواب يجب أن يغلب عليها حسن النوايا حتى يمكن لهم العمل معًا لازدهار البلد.ولكن لدينا العلاقة مريضة جدًا . السيدة نورية الصبيح المعروفة بكفاءتها العالية تم استجوابها من أجل قضايا صغيرة لا شأن لها بها، ومع هذا كان يريد النواب إبعادها. السيد محمد السنعوسي وزير الإعلام السابق يملك خبرة 50 عامًا في العمل الإعلامي، ومع ذلك لم يعجب النواب وخرج من الوزارة quot; ويضيف quot; الاستجوابات انحرفت عن هدفها بشكل واضح، ولا يوجد حتى في ايطاليا هذا الكم الكبير من التأزيم مثل الذي لديناquot;. بعد أن نجحت نورية الصبيح وزير التربية والتعليم في البقاء على كرسيها، قال النائب الذي سعى جاهدًا لطردها:
quot;هذا يعكس بشكل صادق طبيعة العملية الديمقراطية التي يجب أن نفخر بها ككويتيينquot; . ولكن هذا التفاخر لم يهتم كثيرًا بالوقت الذي قام بهذا السلوك الديمقراطي، ولكن الخاطئ هو أحد أسباب تراجع بلد بأكلمه. ولكن هذا السلوك الديمقراطي يتم توجيهه أحيانًا من قبل البرلمان ضد أهدافه. الديمقراطية تعني مزيدًا من الحريات، ولكن أكثر عقبة واجهت المرأة الكويتية لكي تأخذ حقوقها هي العقبة البرلمانية . الكويت التي كانت بؤرة الفن تحولت بفعل بعض النواب الإسلاميين المتشددين إلى بلد محارب للفنون، ويفرض شروطًا على نوعية الفن المقدم ويضع ضوابط تافهة( منع الرقص) على الطريقة التي يجب فيها التعامل مع الحفلة الغنائية. يقول السيد علي البغلي :quot; في معارض الكتب في الكويت لن تجد إلا كتب السحر والطبخ. أصبح النواب المتشددين هم الذين يحددون ما نقرأquot; .
لقد أصبح البرلمان الكويتي في تصور كثير من المراقبين داخل وخارج الكويت معضلة كبيرة, وقد تحول في النهاية إلى انعكاس للثقافة الشعبية السائدة في الكويت التي جنحت لتكون أما إسلامية طائفية متشددة أو عشائرية, وفي مرات كثيرة تتحد هذه الأطراف لتعكس الوجه الأكثر قتامة لمجلس الأمة . ولكن أمير الكويت بإمكانه أن يتخذ قراراً يهدف إلى إسقاط الحكومة , التي يراها كثير من المراقبين بأنها مهزوزة ومتواضعة القدرات . يقول الكاتب محمد الوشيحي الذي كتب في عموده يوم أمس بجريدة الراي الكويتية أنه يطالب بحل المجلس وإسقاط الحكومة :quot; صحيح أن البرلمان هو طرف في المشكلة التي نعيشها حالياً, ولكن الحكومة فاشلة ولا تملك أي خطة تنموية .
لم يقم المجلس بإعاقة الحكومة عندما طلبت موزانة ضخمة جدا للتنمية والبناء ,ولكن ماذا حدث من ذلك الوقت؟! . لاشيء . لماذا؟!. لأنها لا تملك أي خطة تقدمها رغم المطالبات المستمرة لتقديمها ولكنها لم تفعلquot;. يرى عدد كبير من النواب أن الحكومة ترمي فشلها عليهم بسبب أنها عاجزة عن القيام بدورها في تطوير البلد. يقول النائب أحمد المليفي الذي طالب في بيان شهير باستقالة الحكومة: quot;الحكومة رفعت شعار الإصلاح ولكنها لم تصلح أي شيء . رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد يقدم نفسه بصورة الرجل الإصلاحي، ولكنه لم يفعل شيئًا. الحكومة هزيلة جدًاquot;. يقول السيد محمد الوشيحي إن رئيس الحكومة قال قبل عام إنه لن يقوم بإزالة الدواوين، ولكنه تراجع بعد ذلك، وهذا يعكس الرؤية المتخبطة التي يحتفظ بها، ويضيف: quot;رئيس الحكومة رجل صاحب نوايا طيبة، ولكنه لا يملك القرار. أسلحة الرئيس هي التبصر والاستعانة بالكفاءات والقوة وهو لا يملك كل هذه الأشياء. لا يمكن أن تكون هناك حكومة جيدة ويد رئيسها ترتجف قبل أن يوقع أي قرارquot;.
لقد ظهرت الحكومة بصورة ضعيفة ومترددة في مرات كثيرة كان آخرها قضية التأبين التي شغلت الرأي العام حتى خارج الكويت. تركت الأمور حتى تصاعدت وعندما تدخلت في النهاية بدت وكأنها حكومة بوليسية تحاسب الأشخاص على المشاركات الفضائية. ويظهر وزراؤها في وسائل الإعلام امتعاضهم من النقد الذي يطالهم, وكأنهم شخصيات دكتاتورية صغيرة تتمنى أن تملأ أفواه المنتقدين بالتراب. يقول السيد علي البغلي :quot; الحكومة كانت متواضعة جدًا وهزيلة . لقد كانت سببًا أيضًا في الأزمةquot;.
ولكن أمير الكويت بامكانه أيضًا أن يحل المجلس بطريقة غير دستورية ويعلق العمل في البرلمان .ومع هذا أمر يخشاه الكثير من الكويتيين لأنه يعني دخول quot;مرحلة الظلامquot; كما يسميها الكاتب محمد الوشيحي . يقول النائب على الراشد: quot;أرجو ألا يعيدنا الله إلى تلك الأيام التي حل بها المجلس بشكل غير دستوري . لقد كانت مراحل سيئة في تاريخناquot;. ولكن مثل القرار الذي يعني غياب الرقابة على الأملاك العامة وتقييد حرية التعبير والرأي التي يكفلها الدستور الكويتي غير مرجح، إلا أنه يلقى بعض الترحيب من بعض الشخصيات المهمة داخل الكويت كمخرج للأزمة. رئيس تحرير جريدة السياسية الكويتية السيد أحمد الجارالله صرح لتلفزيون الكويت الرسمي بأنه يتمنى أن يتم quot;حل المجلس ليس لشهرين فقط ولكن لسنتين، حتى نخرج من هذه الدروشة السياسية التي عطلت البلدquot;. ومثل هذا الرأي يلقى أصداء ايجابية عند عدد من المحللين السياسيين الذين يعتقدون أن الديمقراطية نظام بحاجة إلى ثقافة ليبرالية كي تعمل بشكل صحيح، وإلا ستتحول إلى عائق رئيس للتنمية. أحسن مثال لتأكيد وجهة النظر هذه، هي المقارنة بين دبي والكويت. دبي مزدهرة من دون ديمقراطية والكويت متعثرة بديمقراطية. يقول أحد الصحافيين الكويتيين: quot;إضمن لي رجلاً في الكويت مثل محمد بن راشد آل مكتوم وأطلق غدًا الديمقراطية بالثلاث. لكن قد نتخلى عن الديمقراطية ولكن قد نتحول إلى من بلد حر ومتعثر إلى بلد مضطهد ومتعثر. هذه مجازفة كبيرةquot;.
كيف تخرج الكويت من هذه الأزمات التي حولتها من جوهرة الخليج المتألقة إلى جوهرة الخليج الصدئة؟!. حتى لو قام الأمير باتخاذ أي من الخيارات الواضحة التي أمامه، فإنه سينهي الأزمة ولكن المشكلة ستبقى. إلى أن تحل سنشحن أنفسنا بالأمل بمشاهدة المسلسلات القديمة الرائعة التي قدمها الفنان الكويتي الأسطوري عبدالحسين عبدالرضا التي تحرك الرصيد الكبير من الذكريات الرائعة التي نحتفظ بهاعن الكويت المضيئة والمتألقة قبل أن يبدأ نائب مثل وليد الطبطائي أو عدنان عبدالصمد بالسحب منه.
التعليقات