الحرب على غزة حرمت ليفني من ورقة شارون
نتنياهو حول إرثه إلى نموذج للسياسة الإنهزامية
نضال وتد-تل أبيب: عندما أطلقت تسيبي ليفني حملتها الانتخابية، في مطلع كانون أول الماضي، كانت الصور الأولى لها في دعايتها الانتخابية، ومقاطع البث المصورة، مليئة بصور ليفني وهي إلى جانب شارون، صورة تظهر فيها ليفني وهي تميل على شارون في هيئة مشاورات بين الاثنين، وصورة لليفني وخلفها على جدار صورة كبيرة لشارون، وليفني تتحدث عن بدايات تأسيس حزب كديما والحاجة الوجودية والمصيرية لإسرائيل بالسير على خطى شارون نحو ترسيخ إسرائيل دولة يهودية وديموقراطية وهو ما يوجب تقديم quot;تنازلات مؤلمةquot; بما فيها الانسحاب على حدود ما قبل الرابع من حزيران مع تعديلات حدودية، وأيضًا تنازلات في القدس الشرقية.
شارون حاضر في الخلفية
كانت ليفني في بداية معركتها، تعتمد وتبرز بشكل لافت للنظر صلتها بشارون، وعملها معه، وكونها واحدة من الطاقم الذي عرف باسم quot;طاقم المزرعةquot;، والمقصود هو مزرعة شارون، حيث كان يجتمع شارون بمجموعة صغيرة من المقربين للبحث في القرارات الحاسمة قبل عرضها على الحزب وعلى الحكومة.
لكن الحرب على غزة أحرقت كل الأوراق وسحبت إرث شارون من تحت قدمي ليفني. فقد وجدت ليفني نفسها في مواجهة ملف جديد وخطاب جديد، لم يعد فيه لإرث شارون الصدارة الأولى، ولا لخطاب السياسة النظيفة والنزاهة الشخصية.
أكلت الحرب على غزة أوراق ليفني السياسية والشخصية، وحولت المعركة الانتخابية إلى معركة على الأمن، وحول مَن مِن بين السياسيين في إسرائيل هو القادر على مواجهة حماس والفلسطينيين. تبخرت الأوراق الرابحة التي ملكتها ليفني وحل محلها السجال الأمني والعسكري، الذي كانت كل أوراقه في جيب براك، وقد حصد في بدايات الحرب شعبية كبيرة، والمواجهة والرؤيا السياسية والأمنية القادرة على الصمود في وجه الإدارة الأمريكية، وكان نجمها نتنياهو.
لم تستطع ليفني والحرب على غزة مشتعلة، أن تعود لخطاب الدولتين لشعبين، ولا لخطاب النزاهة الشخصية والسياسة النظيفة، كان عليها أن تبني لنفسها، رصيدا أمنيا، وشخصية المرأة الفولاذية، وذلك لمواجهة صعود نجم براك، الذي تبين أنه كان مؤقتا، ومواجهة دعاية نتنياهو الشخصية بأن القيادة أمرا كبيرا على ليفني. ووقعت ليفني في الفخ ومحت ما تبقى من ذكر لشارون أو إرثه السياسي، من دعايتها الانتخابية لتركز على صفاتها هي وقدراتها ومعارضتها للهدنة الإنسانية ولوقف الحرب على غزة، ومن ثم لعدم رد الجيش الإسرائيلي بعد إطلاق عدة صواريخ من القطاع باتجاه إسرائيل.
نتنياهو يبعد شارون عن المشهد كليا
مع إطلاق الحرب، وإلى أن وضعت أوزارها، تمكن نتنياهو، من التخلص كليا من الغائب الحاضر في الدعاية الانتخابية لليفني، ألا وهو شارون. حاولت ليفني استحضار شارون، لكن دعاية نتنياهو وشعبية براك اضطرتها في نهاية المطاف على إستبدال صورها مع شارون، سواء في المزرعة أم في الكنيست، على صور لليفني مع قادة وزعماء العالم للتدليل على قدرتها القيادية في حشد التجنيد لصالح إسرائيل، مقابل خطر الصدام بين إسرائيل وحلفائها إذا ما عاد نتنياهو إلى الحكم.
في غضون ذلك استطاع نتنياهو، الذي تصرف خلال الحرب بحكمة تمثلت برفض مهاجمة كديما وحكومة أولمرت، أن يحول إرث شارون وبرنامج كديما الانتخابي، وفي مقدمته شعار دولتين لشعبين للحفاظ على الدولة اليهودية، رمزا للطرح السياسي الانهزامي من مواجهة الإسلام الأصولي والإرهاب الأصولي، والعودة إلى تقسيم القدس والانسحاب حتى الرابع من حزيران وإعادة الجولان لسوريا.
لم يقف نتنياهو عند ذلك بل سعى إلى شخصنة المنافسة على رئاسة الحكومة، إما بيبي أو تسيبي، وهي مناورة حاولت ليفني تلقفها واللعب بها عبر دعاية تصور نتنياهو بالكاذب، والمغامر الذي يفتقر على المسؤولية، لكنها كانت كمن يصوب النار إلى رأسه، لم تستطع ليفني إقناع الناخب الإسرائيلي بقدرتها على القيادة، ولا على الحسم في المفاوضات مع الفلسطينيين، وكانت ذروة فشلها تجلت في المقالة التي نشرها الصحافي المخضرم، والمحلل في هآرتس اريه شابيط، تحت عنوان تحذير. فقد كتب شابيط أنه جبى شهادات 12 شخصًا من المقربين من ليفني، من داخل حزبها، وأقر هؤلاء بالإجماع أن زعيمة كديما تفتقد إلى الحسم عند الحاجة لاتخاذ القرار، كما أنها سطحية التفكير، ولا تطيق جلسات النقاش الطويلة ليخلص على الاستنتاج بأن ليفني غير ناضجة للقيادة.
التذكير الوحيد بشارون، والذي وظفته ليفني على امتداد المعركة الانتخابية، كان محوره شخصية نتنياهو وليس برنامج كديما. إذ واصل حزب كديما بث مقاطع فيديو يظهر فيها شارون وهو يتحدث عن بينيامين نتنياهو واصفا إياه بأنه رجل لا يستطيع العمل تحت ظروف الضغط وأنه يفتقر لبرودة الأعصاب وللشخصية القائد على اتخاذ القرارات دون تسرع أو تهور. وفي هذا الشريط يظهر شارون، بصورة غير واضحة كليا، فيما يعلو صوته وهو يعدد مساوئ شخصية بيبي. وقعت تسيبي ليفني في فخ المعركة الشخصية منذ تبنت شعار إما تسيبي أو بيبي، ومنذ تلك اللحظة، لم تعد المعركة الانتخابية الإسرائيلية تتسع لطروحات الأحزاب أو برامجها ولا لخطط المرشحين، واحترق إرث شارون وتبخر في الحرب الشخصية بين المتنافسين.
التعليقات