ـ 1 ـ
مازال الملف الشيعي في المنطقة يحظى بأهمية خاصة ليس فقط من جانب الدول التي فيها کثافة شيعية وإنما حتى من جانب دول أخرى لا تتواجد فيها أية کثافة شيعية، وقد شرعت هذه الدول برمتها(حتى دول إقليمية غير عربية کترکيا مثلا) بدراسة الملف الشيعي من حيث کونه قد صار ظاهرة يشکل خطورة محتملة على الامن القومي لهذه الدول وليس من حيث أهميته الانثروبولوجية و عمق أصالته منذ فترات سحيقة من تأريخنا العربي ـ الاسلامي و جدلية علاقته بالمکونات الاجتماعية المختلفة في أرجاء هذه الدول.
وعندما يسعى البعض لتسيس و أدلجة الملف الشيعي وفق سياقات نشم منها رائحة طائفية بغضاء لاتخدم على مختلف المستويات و الاصعدة شيئا مثلما تخدم تذکية روح العداوة و البغضاء الطائفية المقيتة بين أبناء الجلدة الواحدة و تقديم خدمات مجانية لأعداء العروبة و المتربصين بها شرا سواءا على الصعيد الاقليمي أم الدولي، فإننا نقف و بکل قوتنا الفکرية و الثقافية بوجه هؤلاء و نحاول شرح الابعاد المستقبلية الخطيرة المتداعية من هکذا سياقات طائفية ضيقة و لانألوا جهدا في سبيل طرح الخيارات الإيجابية الاخرى المتواجدة على الساحة بوجه هکذا خيار عدائي لايفيد الامة العربية بشئ سوى إبقائها في مربع الصراعات الجانبية و الداخلية التي تأکلquot;أخضرquot;العرب قبل أن يحين أوان جنيه و قطافه وتقدم و على أطباق من ذهب طاقات عربية مهمة کان بالامکان توظيفها لصالح مستقبل أجيال الامة بدلا من أن تذهب هدرا في دروب ملتوية و معقدة لا تفيد الاسلام ذاته و لا الامة في نهاية المطاف. ان البعض من ذوي الافق الضيق من الذين يسعون للترکيز على التأريخ الشيعي القديم أو المعاصر و الحديث من زاوية شخصيات مثل أبن العلقمي أو أحزاب و منظمات شيعية تخدم أجندة و سياسات إقليمية محددة، فإننا نلفت أنظارهم الى أن التأريخ الشيعي يحفل أيضا بشخصيات عظيمة خدمت الاسلام و المسلمين مثل جمال الدين الافغاني الذي وقف بقوة ضد المسألة الطائفية وهو صاحب المقولة الشهيرة:(إنشغلنا بمسح القدم و غسل القدم حتى لم يبق لنا موطئ قدم.) کما أن ثورة العشرين المجيدة التي أندلعت بوجه المستعمر البريطاني بالعراق في عشرينيات القرن المنصرم قد کان ملهمها و قادتها الاساسيين من مراجع الشيعة في العراق وأن الاحرى بکل عربي غيور و حريص على مستقبل العرب و وحدتهم و تآزرهم أن يرکز على الجوانب الايجابية وليس يشغل نفسه بأمور قد تخدم أعدائه قبل أن تخدمه شخصيا. وبإعتقادنا أن الجنوح الشيعي الملفت صوب خارج الدائرة العربية قد يعود بالاساس الى تلك السياسات و الثقافات الطائفية و ذات الاتجاه الواحد التي کانت تنظر للشيعة العرب کسکينة في خاصرة الامة العربية وليس کجزء أساسي لايتجزأ منها أبدا وأن إستمرار التشکيك و الطعن بولاء و وفاء الشيعة العرب لوطنهم و أمتهم کانت و لاتزال سببا مهما لدفع العديد منهم بسياقات معادية و توفير کل الوسائل و السبل التي تتيح بقائهم على موقفهم الآنف، ونتصور لو أن الحکومات العربية و المثقفين و الکتاب العرب لو سلکوا السبل البديلة التي تتيح عدم توفير الارضية و المناخات الملائمة لإستعداء الشيعة فإن الامر لم يکن يصل أبدا الى الحال الذي هو عليه الان وبرأينا فإنه من الممکن جدا أن تتم حالة مراجعة للذات العربية بخصوص موقفها السياسي ـ الفکري من الشيعة و السعي للخروج برؤية جديدة للملف الشيعي تختلف کل الاختلاف مع الرؤيات السابقة لها و هو أمر مطلوب من الشيعة العرب أيضا بخصوص عموم رؤيتهم لأخوتهم في الطوائف السنية الاربعة و ضرورة أن يخرج الطرفان بمستوى عال من الاحساس بالمسؤولية و يدرکون الاخطار الکبيرة المحدقة بالامة العربية و مستقبل أجيالها و يعملون بسرعة أکبر في سبيل ضمان الامن القومي العربي الذي تقوم إحدى رکائزه الاساسية على وحدة البيت العربي ذاته.
*الامين العام للمجلس العربي الاسلامي في لبنان.
التعليقات