عبد الجبار العتابي من بغداد: صدر ضمن سلسلة كتاب (فنارات) وهي (سلسلة ادبية ثقافية يصدرها اتحاد الادباء والكتاب في البصرة) كتاب جديد يحمل عنوان (ذاكرة المقهى) يحتوي على (قصص قصيرة جدا) هي (نتاج المشغل السردي في البصرة) كما جاء في تعريف محتوى الكتاب الذي ضم بين غلافيه (65) قصة قصيرة جدا لـ (15) قاصا استهلت قصصهم بنبذة مختصرة عن سيرتهم الادبية، وهم : محمد سهيل احمد، قصي الخفاجي، نجاح الجبيلي، علي عباس خليف، فرات صالح، كاظم الحلاق، محمد عبد حسن، ضياء الجبيلي، باسم الشريف، عبد الحليم مهودر، نبيل جميل، باسم القطراني، مصطفى حميد جاسم، ناصر قوطي ورمزي حسن، ولعل الذي يلفت الانتباه في هذا الكتاب هو عدم وجود اي صوت نسائي، بالاضافة الى ان العديد من القصص التي تضمنها الكتاب لا تنطبق عليها عليها صفة (القصيرة جدا) بل هي فقط (قصيرة).
استهل الكتاب بافتتاحية لمدير تحرير السلسلة قال فيها : بدأ الاهتمام بالقصة القصيرة جدا في العراق في العقود الاخيرة من القرن الماضي حينما ظهرت بعض المحاولات الكتابية تحمل سمات هذا اللون الادبي متأثرة ndash; ربما- ببعض التجارب العالمية التي سبقتها في هذا المجال، خاصة مجموعة ناتالي ساروت (انفعالات) التي ترجمت الى العربية في اوائل السبعينيات، وقد ولد هذا اللون الادبي تعبيرا عن حاجة بعض الكتاب في تمثيل بعض المشاهد والاحداث اليومية التي تتطلب شكلا فنيا محددا في التعبير عن تلك التجارب الحياتية، فكان هذا الشكل الفني القصير الذي يقترب في طبيعته من قصيدة النثر، واضاف في تعريفه للقصة القصيرة جدا بأنها قطعة ادبية بالغة القصر، تتوفر على سمات محددة، حدث بسيط مفرد، شخصية واحدة او اثنتين لا اكثر، اقتصاد شديد في الكلمات ولغة اشارية سريعة الايقاع واقفال مفاجيء مفارق لتوقعات القاريء، مع حرص الكاتب على ان يتجنب تكرار معلومات ذكرها لتنافي ذلك مع طبيعة هذا اللون من الكتابة، اذ من الضروري ان تتغذى القصة بمعلومات منتقاة بعناية وبدرجة عالية من التركيز. القصص جديرة بالقراءة
والاستمتاع لا سيما انها تمثل الوانا مختلفة من السرد القصير، وهي خطوة تحسب لاتحاد ادباء البصرة. واخترت هنا بعض القصص القصيرة جدا :

*محاولة للتخلص من الظل / للقاص محمد عبد حسن
حين قرر ان يتخلص من ظله اقتاده بعيدا عن اخر بيوت المدينة بحيث لا يراه احد، طرحه امامه واخذ يثبته بالارض بواسطة ازاميل من الحديد احضرها معه، طرق بواسطة حجر كبير وجده قريبا منه، واحدا في منتصف الرأس.. واخر في الصدر.. وثالثا اسفل سرته، وحين عجزت يداه عن الوصول الى راحتي الذراعين الممدودتين بوضع يشبه الصليب.. تركهما ورمى الحجر ليستريح. لما اراد النهوض لم يستطع، كان مسمرا الى الارض، بصعةبة رفع رأسه ليرى بوضوح ظله عائدا باتجاه المدينة.

* انتظار / للقاص باسم الشريف
احرقته الحرب في اتونها لكن زوجته التي عدته مفقودا ما زالت تهيء كل مسرات الليل على فراش الانتظار.

* فزاعة / للقاص نبيل جميل
بعدما لفظته المدينة مع ما تبقى لها من تاريخ، شهق اخر انفاسه ورحل، ظنا منه بأن ما احتبسه من هواء داخل رئتيه يحميه من سطوة الغربة، التي لم يحلم برؤيتها بعد، لكن وبأيعاز من سنيه الستين شمر عن ساعديه المعروقتين واطلق في فضاء صمته نداءا راح يوقد ما خبا من جمرات، غمره رنين اجراس فرح، وهو يرى ظل ابتسامة شفتيه : (لا.. لاتدع اليأس يسيطر) همس لنفسه بعد ان تأكد بأن بريق عينيه ما زال يومض بأفكار السبات العميق، رنا صوب صورته المثبتة فوق المرآة وبصوت مبحوح قال : (تبا لم.. ماذا فعلت بي ؟).

*اخرة / للقاص ناصر قوطي
ايام عاشوراء، حين كنا صغارا، لا نملك غير الطواف المضني في الجادات المتربة، كنا نتسابق ايام العزاء لنضع البركات، بينما يمسك رجل ضخم الجثة اكفنا الصغيرة ويمرغ راحاتنا في عجينة الحناء ثم بعاود نداءه (الفلس بسبعين يا اولادي.. الواحد بسبعين)، وبعد سنوات رأينا ذات الرجل وقد امتلك محلا فخما للحلوى وحين يقترب بعض الصغار من صواني حلوياته نسمع يصرخ بهم (الى الجحيم ايها الشياطين.. اذهبوا الى الجحيم)، والان حين عشنا رعب حياتنا اليومية، ادركنا ان القيامة قد هبطت علينا منذ زمن بعيد، بينما لم نعد نمتلك قرشا ابيض لسواد الليالي او ندخر ما يقينا شر يوم مستطير.