وألوان من غبار
عبد الجبار العتابي من بغداد: كان هنالك وجع.. يطل من بين الصور المعلقة على جدران القاعة، تشعره يخاطبك حين تدفع نظراتك نحوه، ويبثك مشاعر تجعلك تتوقف قليلا للتأمل في اوجه الصورة لاسيما انها تحمل ملامح الطفولة، ولا تجد الا ان تعلق بكلمات معدودة قد لا تجد منها سوى القول: آه.. ايتها الطفولة..كم انت مظلومة!!.
هذه الخلجات.. هي بعض مما يكون لديك وانت تعاين صور المعرض المشترك الذي اقامه الفنانان المصوران الفوتوغرافيان فؤاد شاكر وعبد علي مناحي، في دار ثقافة الاطفال والذي حمل عنوان (اطلالات على واقع الطفولة) وهذا الواقع هو العراقي بالطبع، الذي ارتسمت صوره بالالوان المختلفة لتلتصق في الذاكرة من خلال كاميرتي المصورين اللذين هما من افضل المصورين الفوتوغرافيين الصحفيين في العراق، حيث كانت الطفولة تتحرك في مدارات ليست مداراتها، تجد انهما ارادا ان يقولان الكثير في لقطاتهما، لكن عبد علي مناحي قال في لحظة حزن واضحة وهو يتلمس بأصابعه عدسة كاميرته: (أشياء كثيرة في طفولتي قد طواها النسيان، كان فيها الحلو وفيها المر، ولكن أكثرها مرارة.. عندما نتذكر يوماً اننا نعيش في بلد ثري.. فقير!!)، ما قاله مناحي جزء مما عبرت عنه صوره مع زميله.
افتتاح المعرض حضره حشد من الفنانين والاعلاميين ومحبي التصوير الفوتوغرافي، افتتحه حبيب ظاهر العباس المدير العام لدارثقافة الاطفال بعد اقل من اسبوع من تسنمه منصبه الجديد، ورافقه الدكتور جمال العتابي المدير العام السابق، والاثنان تحدثا عن قيمة المعرض كونه يؤشر حالات من الظروف التي يعيشها الطفل العراقي، قال العباس: جميعنا ندور في فلك الفن، اذن نحن فنانون، وعلينا ان نكون اكثر تفاؤلا بالحباة، نحلم بغد مشرق بالمحبة ومثمر بالخير، ونحن بصفتنا دائرة ثقافية علينا ان نتعرض لهكذا حالات، سلبية كانت او ايجابية، كونها تمثل شريحة واسعة ومهمة من المجتمع، الا وهي شريحة الأطفال ,انه معرض نوعي مبدع، استطاع من خلاله الفنانان ان يسلطا الأضواء على اطفال الشوارع والمشردين والأيتام وكذلك على ألعابهم التي تتسم بالعنف تشبهاً بالكبار، نحن مسرورين بهذه الأعمال الجيدة ونسعى لأقامة المزيد منها دعما للثقافة والفن في بلادنا، اما العتابي فقال: انه معرض مميز فعلا، عبرت صوره عن ما تعانيه الطفولة حيث تفتقد البراءة في ظل ظروف صعبة، ومثل هذا المعرض يمثل تنبيها الى حال الطفولة وتأكيد على ضرورة الانتباه اليها.
كانت الصور تنطق بالكثير من الكلام، تعبر عنه بالوجوه التي تترى على واجهة الجدران، وجوه طفولية تحاول ان تتشبث ببراءتها، ولكن.. تحس من الغبار الذي على ملامحها ان ضغوطات الحياة تجعل من تلك الملامح تتشقق خوفا من الاتي.
يقول الفنان فؤاد شاكر، رئيس الجمعية الأكاديمية لفن الفوتوغراف التي أسسها عام 2005مع مجموعة من المصورين الفوتوغرافيين: عشت طفولة معذبة خالية من المسرات لكني كنت استمد منها بهجتي، في طفولتي لم احظ بلعب كثيرة فيما عدا تلك الكريات الزجاجية الملونة التي كانت تنمي ذائقتي وتحسسني كما لو كنت أحيا في أبراج من بلور ملون وهذا يذكرني دائما ان اللعب الصغيرة يمكن ان تقود المرء لاكتشاف مواهبه الأخرى، واضاف: هذا المعرض هو نتاج بحث ليس يسيرا في عوالم الطفولة التي تعيدني الى الماضي وتجعلني استعيد تلك الصور وربما يكون ما كان لدي افضل، والمعرض المشترك هدية لهؤلاء الاطفال.
اما الفنان عبد علي مناحي فقال اولا: منذ ثمانينات القرن المنصرم وانا اقيم معارض مشتركة مع الفنان الصديق فؤاد شاكر، ذلك لان أسلوبنا يكاد يكون متقارباً، من حيث المواضيع وتقنيات الكاميرا وزاويا الصورة وغيرها، وحقيقة لا ارى مصورا بارعاً مثله، ومثل جاسم الزبيدي ومراد الداغستاني اللذين أسسا مدرسة التصوير الفوتوغرافي الحقيقية عبر صورهم الرائعة والمؤثرة،، واضاف متحدثا عن المعرض: حاولت من خلال الصور التي التقطتها عبر السنوات الاخيرة ان أجسد ملامح الطفولة العراقية بكل جوانبها الحياتية في الواقع ,فقد عشت طفولة مؤلمة وكنت ابكي مع الصغار اذا بكوا وافرح لفرحهم، واضاف: أتذكر اني كنت اجوب شوارع وازقة المدينة وأسواقها وكاميرتي بين يدي ّ، وكان الالم يعتصرني عند رؤية الصغار في أوضاع حياتية يرثى لها، واستطرد مناحي قائلا: وجدت من خلال تجوالي في شوارع الحياة ان حتى الطفل المترف الأن غير سعيد، تبعاً للظروف التي آلمت بنا جميعا وتركت بصماتها واضحة على وجوه اطفالنا الأبرياء، هذا المعرض هو بمثابة رسالة أوجهها الى كل المسؤولين في الدولة العراقية، واطالبهم بتخصيص مساحات كبيرة من جهودهم لانتشال الطفل العراقي من مأساته.