وأعني بالثقافة مجموعة القيم والمعارف والعادات والتقاليد والأعراف التي تنتج أخلاق الفرد وتحدد سلوكه، وأسلوب حياته، وطريقة تفكيره وتعامله مع الآخرين. فهل عبّر ذاك الصحّافي العراقي الذي قذف الرئيس بوش بفردتي حذاءه، هل عبّر بسلوكه ذاك عن شجاعة أم شهامة أم بطولة أم قلة حياء؟ وهل كان يبحث ذاك العراقي بفعلته تلك عن مادة صحفية يقدمها للقراء؟ أم كان يبحث عن الشهرة والمجد المتوهم والمكاسب الشخصية؟ وهل كان تصرفه ذاك تعبير عن حالة مهنية؟ أم حالة أخلاقية؟
من أين استقى ذاك العراقي ثقافته تلك؟ أهي ثقافة أمريكية أم أوروبية أم صينية أم هندية أم يابانية؟ أم أنه منهج دراسي أكاديمي تلقاه أثناء دراسته الجامعية؟ أم أنها ثقافة خاصة به تدعى ثقافة الحذاء؟ وهل انطلق بسلوكه ذاك من خلفية سياسية نضالية ثورية، أم أنه انطلق من خلفية ثقافية أخلاقية تربوية؟ وهل كان تصرفه ذاك تصرفا جديدا مبتكرا غير مسبوق، أم أنه سلوك شائع لدى بعض العراقيين في حياتهم وتعاملاتهم اليومية، وفي الحياة السياسية العراقية؟ وهل تقبل أية دولة مهما اشتد خلافها مع بوش والأمريكيين، ومهما وصلت حالة النزاع بينهما، ومهما وصفتهم ونعتتهم واتهمتهم، هل تقبل أن يفعل أحد مواطنيها على أرضها، وبحضور رئيسها، ما فعله ذاك العراقي بالرئيس الأمريكي في المؤتمر الصحافي الرئاسي في بغداد؟
لا شك أن ما قام به ذاك الصحّافي العراقي قد استهوى الكثيرين، وفخر به الكثيرون من الأعراب والعوام، ولقبه الكثيرون منهم بالشجاع والبطل، وتمنى بعضهم أن يقبل ذاك الحذاء ويضعه مدى العمر تاجا على رأسه. ولعلهم أيضا سيجعلون من ذاك العراقي وسلوكه قدوة لهم يقتدون به في سلوكهم وحياتهم اليومية وتعاملهم مع الآخرين. ولهذا كان من الطبيعي أن تمنحه الجمعية الليبية (واعتصموا للأعمال الخيرية) التي ترأسها السيدة عائشة القذافي وسام الشجاعة، معتبرة سلوكه ذاك انسجاما مع أهداف الجمعية في المجالين القانوني وحقوق الإنسان، ودفاعا عن حقوق الإنسان على المستوى العالمي وانتصارا لتلك الحقوق.
من المؤسف حقا أن تفخر بعض المؤسسات الخيرية والإعلامية العربية بفعلة ذاك العراقي. وأن تدافع عن سلوكه بدلا أن تعتذر عنه. وأن تختلق له المبررات، وتدعي- دون أن تشعر بأي غضاضة أو حياء أو خجل- أن تصرفه ذاك إنما هو تصرف وطني يندرج تحت لواء الديمقراطية والحرية وحق التعبير عن الرأي. فإذا كان فهم (هذه النخبة) العراقية والعربية والإسلامية للوطنية والحرية والديمقراطية وحق التعبير، هو على هذا النحو وعلى هذه الشاكلة، فبئسا للحرية وبئسا للديمقراطية وبئسا لحق التعبير. لأنه بموجب هذا الفهم للحرية والديمقراطية فإن الإهانات والشتائم والاعتداءات عمل مشروع ومن صميم حقوق الإنسان. وبموجب هذا الفهم أيضا فإن انفصال غزة عن الضفة الغربية عمل مشروع، ويندرج ضمن إطار الحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير. وبموجب هذا الفهم كذلك فإن تقسيم العراق والباكستان إلى دويلات وإمارات ومشيخات لهو قاب قوسين أو أدنى، وهو يندرج أيضا تحت بند الديمقراطية وحق التعبير وحق القبائل في تقرير المصير.!
كما إنه من المؤسف أيضا أن يتنادى بعض المحامين العرب الذين دافعوا عن صدام وطغيانه ونظامه القمعي ومقابره الجماعية، أن يتنادوا بحجة حق التعبير والديمقراطية إلى الدفاع عن ذاك الصحّافي العراقي، وتحويل قضيته من قذف وشتم ومحاولة اعتداء إلى قضية حرية ووطنية.
ما سر ثقافة هذا الصحّافي العراقي؟ هذه الثقافة التي لا تعرف سوى الشتم والتعنيف وسيلة للتعامل. فها هم أمثاله يمزقون ملصقات منافسيهم الانتخابية، وها هم أمثاله يستخدمون ضد بعضهم بعضا أقذع الألفاظ وأبشع الاتهامات، لكنهم مع ذلك يبقون خيرا من غيرهم الذين لا يعرفون لغة يستخدمونها مع مخالفيهم في الرأي والاعتقاد سوى لغة الخطف والتهجير والتصفيات الجسدية.
[email protected]
من أين استقى ذاك العراقي ثقافته تلك؟ أهي ثقافة أمريكية أم أوروبية أم صينية أم هندية أم يابانية؟ أم أنه منهج دراسي أكاديمي تلقاه أثناء دراسته الجامعية؟ أم أنها ثقافة خاصة به تدعى ثقافة الحذاء؟ وهل انطلق بسلوكه ذاك من خلفية سياسية نضالية ثورية، أم أنه انطلق من خلفية ثقافية أخلاقية تربوية؟ وهل كان تصرفه ذاك تصرفا جديدا مبتكرا غير مسبوق، أم أنه سلوك شائع لدى بعض العراقيين في حياتهم وتعاملاتهم اليومية، وفي الحياة السياسية العراقية؟ وهل تقبل أية دولة مهما اشتد خلافها مع بوش والأمريكيين، ومهما وصلت حالة النزاع بينهما، ومهما وصفتهم ونعتتهم واتهمتهم، هل تقبل أن يفعل أحد مواطنيها على أرضها، وبحضور رئيسها، ما فعله ذاك العراقي بالرئيس الأمريكي في المؤتمر الصحافي الرئاسي في بغداد؟
لا شك أن ما قام به ذاك الصحّافي العراقي قد استهوى الكثيرين، وفخر به الكثيرون من الأعراب والعوام، ولقبه الكثيرون منهم بالشجاع والبطل، وتمنى بعضهم أن يقبل ذاك الحذاء ويضعه مدى العمر تاجا على رأسه. ولعلهم أيضا سيجعلون من ذاك العراقي وسلوكه قدوة لهم يقتدون به في سلوكهم وحياتهم اليومية وتعاملهم مع الآخرين. ولهذا كان من الطبيعي أن تمنحه الجمعية الليبية (واعتصموا للأعمال الخيرية) التي ترأسها السيدة عائشة القذافي وسام الشجاعة، معتبرة سلوكه ذاك انسجاما مع أهداف الجمعية في المجالين القانوني وحقوق الإنسان، ودفاعا عن حقوق الإنسان على المستوى العالمي وانتصارا لتلك الحقوق.
من المؤسف حقا أن تفخر بعض المؤسسات الخيرية والإعلامية العربية بفعلة ذاك العراقي. وأن تدافع عن سلوكه بدلا أن تعتذر عنه. وأن تختلق له المبررات، وتدعي- دون أن تشعر بأي غضاضة أو حياء أو خجل- أن تصرفه ذاك إنما هو تصرف وطني يندرج تحت لواء الديمقراطية والحرية وحق التعبير عن الرأي. فإذا كان فهم (هذه النخبة) العراقية والعربية والإسلامية للوطنية والحرية والديمقراطية وحق التعبير، هو على هذا النحو وعلى هذه الشاكلة، فبئسا للحرية وبئسا للديمقراطية وبئسا لحق التعبير. لأنه بموجب هذا الفهم للحرية والديمقراطية فإن الإهانات والشتائم والاعتداءات عمل مشروع ومن صميم حقوق الإنسان. وبموجب هذا الفهم أيضا فإن انفصال غزة عن الضفة الغربية عمل مشروع، ويندرج ضمن إطار الحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير. وبموجب هذا الفهم كذلك فإن تقسيم العراق والباكستان إلى دويلات وإمارات ومشيخات لهو قاب قوسين أو أدنى، وهو يندرج أيضا تحت بند الديمقراطية وحق التعبير وحق القبائل في تقرير المصير.!
كما إنه من المؤسف أيضا أن يتنادى بعض المحامين العرب الذين دافعوا عن صدام وطغيانه ونظامه القمعي ومقابره الجماعية، أن يتنادوا بحجة حق التعبير والديمقراطية إلى الدفاع عن ذاك الصحّافي العراقي، وتحويل قضيته من قذف وشتم ومحاولة اعتداء إلى قضية حرية ووطنية.
ما سر ثقافة هذا الصحّافي العراقي؟ هذه الثقافة التي لا تعرف سوى الشتم والتعنيف وسيلة للتعامل. فها هم أمثاله يمزقون ملصقات منافسيهم الانتخابية، وها هم أمثاله يستخدمون ضد بعضهم بعضا أقذع الألفاظ وأبشع الاتهامات، لكنهم مع ذلك يبقون خيرا من غيرهم الذين لا يعرفون لغة يستخدمونها مع مخالفيهم في الرأي والاعتقاد سوى لغة الخطف والتهجير والتصفيات الجسدية.
[email protected]
التعليقات