الارتفاع الجنوني في أسعار النفط والغاز، والذي كما يبدو- في تصاعد مستمر- لا تلوح له في المستقبل القريب بوادر حل. ينعقد بشأنه (الأحد 22 حزيران) مؤتمرا في quot;جدةquot; دعت إليه المملكة العربية السعودية لتدارس الأسباب والحلول المستقبلية لهذه الأزمة الخطيرة المستعصية، بحضور خمس وثلاثون دولة من الدول المنتجة والمستوردة، التي تتراشق الاتهامات فيما بينها بخصوص الطرف المتسبب بهذا الارتفاع.
لا شك أن لهذا الارتفاع السرطاني في الأسعار أسباب عدة تتحملها الدول المنتجة والمستوردة، والمستهلكون على مستوى الأفراد أيضا. لكن أهم أسباب ارتفاع الأسعار هو قلة العرض بالنسبة للطلب الذي ازداد بشكل كبير جدا بسبب التضخم الناتج عن انخفاض قيمة الدولار، مما أوجد أموالا طائلة quot;هائمةquot; لا تخشى المخاطرة، وتبحث عن فرص توظيف واستثمارات، وترضى بأي ربح، الأمر الذي دعاها إلى إنشاء شركات صناعية جديدة. إضافة إلى ذلك دخول سوق النفط دول كبيرة quot;ناشئةquot; كالهند والصين أحدثت خللا وعجزا في الميزان بين العرض والطلب.
ومما يزيد الطين بلة- وهذا ما تعرفه الدول المستوردة- أن الدول المنتجة للنفط- لأسباب تقنية، غير قادرة حاليا، أو خلال بضع سنوات على زيادة إنتاجها، لسببين اثنين: أولهما رغبة هذه الدول ومصلحتها في استمرار ارتفاع الأسعار الذي يدر عليها دخلا عظيما لم تكن تتوقعه أو تحلم به. وثانيهما خوف الدول المنتجة من استحداث بدائل للنفط، فتذهب الأموال التي وظفتها في زيادة الإنتاج هباء منثورا.
ليست تلك الأسباب وحدها هي التي تسببت في ارتفاع أسعار النفط والغاز. بل إن أسبابا سياسية أخرى تمثلت في خوف العالم الصناعي من تدهور الأوضاع أكثر مما هي متدهورة في الشرق الأوسط الذي يملك المنتجون فيه أكبر مخزون احتياطي في العالم يقدر بحوالي (600 مليار برميل) كان له أثرا كبيرا في زيادة الطلب على النفط وتخزينه. فخلال خمس سنوات أي منذ احتلال العراق (2003-2008) تضاعف سعر النفط أربع مرات (من30 دولار إلى 140 دولار). ومنذ حرب تموز (2006) تضاعف سعر النفط مرتين (من 70 إلى 140). يضاف إلى ذلك تخوف العالم من حرب ضد إيران سيكون لها أثرا كبيرا على تدفق نفط الشرق الأوسط الذي يشكل (40%) من نفط العالم.
إن أكثر الدول التي عرفت أن تستغل ارتفاع أسعار النفط لتحسين أوضاعها السياسية والمالية والصناعية والعسكرية هي روسيا التي استطاعت بفضل ارتفاع الأسعار أن تعيد تشغيل مؤسساتها، وتستعيد دورها كقوة عظمى على الساحة العالمية، وقد كانت قبل عشر سنوات تستجدي مساعدات الغذاء من ألمانيا وأمريكا والدول الغربية.
ومما يؤسف له أن بلدنا أخرى منتجة للنفط حققت ثروة كبيرة جدا من ارتفاع الأسعار، ما زالت بلدنا متخلفة بكل المقاييس، وفي كل المجالات: العلمية والفنية والتقنية والطبية والزراعية والصناعية، وحتى الرياضية. إذ لا زالت صناعات هذه الدول صناعات ملحقة وتابعة لشركات عالمية كبرى تصدر لها المواد الأساسية، ولا تمنحها سوى حق التعليب والتصريف في بلدانها، فلا أثر فيها لأي صناعات مستقبلية، أو مشاريع زراعية توفر لها ما تحتاجه من غذاء ودواء ولباس ومواصلات.
ليس هذا فحسب، بل إن عددا كبيرا من مواطني هذه الدول عاطلون عن العمل أو في بطالة مقنعة، يعتمدون في معيشتهم وجني أرباحهم وأموالهم على اسم وجهد العمالة الوافدة. أما الأغنياء ومتوسطي الدخل منهم فإنهم يصرفون قسما كبيرا من هذه الأموال على الملذات الذاتية ومستحضرات التجميل والكماليات، بينما دولهم لا تستثمر هذه الأموال بل تكدسها بلا طائل، أو تنفقها على شراء وتكديس الأسلحة التي لا يعود وجودها على شعبها بأي نفع.
إن النفط والغاز هما العصب الأساسي للحياة في هذه الأزمان. ولا يوجد مجال من مجالات الحياة قادر أن يستغني عنهما أو عن تطبيقاتهما، بدءا من المستشفيات إلى المدارس إلى دور العجزة، إلى زراعة القمح وتحويله إلى خبز، أو زراعة القطن وتحويله إلى ملابس، أو صناعة الأعلاف لتربية المواشي والثروة الحيوانية. فهما الأساس في توليد الطاقة الكهربائية، واستخراج المياه أو تحليتها. وهما الأساس للمشاريع الدوائية أو الصناعية أو الغذائية أو الزراعية التي لا بد لها كي تكون ناجحة من استخدام المكننة. وهما الأساس أيضا في إنتاج مواد البناء. دون أن ننسى أنهما شريان قطاع المواصلات.
لقد أدى ارتفاع أسعار النفط والغاز إلى ارتفاع أسعار كل السلع والمواد والخدمات والعقارات، وخاصة القمح والذرة والرز والخبز والزيت. وقد انعكس هذا الأمر بشكل سيء للغاية لا على أبناء الدول الأوروبية والأمريكية والصناعية القادرة أن تستعيد ثمن ما تدفعه، بل انعكس ضررا بالغا على أبناء الشعوب والدول الفقيرة العربية والإسلامية والآسيوية والإفريقية التي لا تجد ما تتدفأ به ضد برد الشتاء القارص، أو ما تأكله أو تلبسه، والتي لا يزيد دخل الفرد في بعض هذه الدول عن دولارين اثنين في اليوم، وربما أقل من ذلك في بعضها الآخر.
إنها بادرة طيبة من المملكة العربية السعودية أن تدعو إلى مثل هذا المؤتمر. ولكن على المؤتمر والدول المشاركة فيه، سواء أكانت منتجة للغاز والبترول أو مستوردة لهما، أن تتحمل مسؤولياتها نحو الدول والشعوب الفقيرة التي تشكل ثلاثة أرباع هذا العالم، وأن تضع الحلول الناجعة، لا أقول العودة إلى الأسعار القديمة، بل للتخفيف من حدة لهيب ونيران هذه الأزمة، خاصة وإن فصل الشتاء ليس ببعيد.
[email protected]
لا شك أن لهذا الارتفاع السرطاني في الأسعار أسباب عدة تتحملها الدول المنتجة والمستوردة، والمستهلكون على مستوى الأفراد أيضا. لكن أهم أسباب ارتفاع الأسعار هو قلة العرض بالنسبة للطلب الذي ازداد بشكل كبير جدا بسبب التضخم الناتج عن انخفاض قيمة الدولار، مما أوجد أموالا طائلة quot;هائمةquot; لا تخشى المخاطرة، وتبحث عن فرص توظيف واستثمارات، وترضى بأي ربح، الأمر الذي دعاها إلى إنشاء شركات صناعية جديدة. إضافة إلى ذلك دخول سوق النفط دول كبيرة quot;ناشئةquot; كالهند والصين أحدثت خللا وعجزا في الميزان بين العرض والطلب.
ومما يزيد الطين بلة- وهذا ما تعرفه الدول المستوردة- أن الدول المنتجة للنفط- لأسباب تقنية، غير قادرة حاليا، أو خلال بضع سنوات على زيادة إنتاجها، لسببين اثنين: أولهما رغبة هذه الدول ومصلحتها في استمرار ارتفاع الأسعار الذي يدر عليها دخلا عظيما لم تكن تتوقعه أو تحلم به. وثانيهما خوف الدول المنتجة من استحداث بدائل للنفط، فتذهب الأموال التي وظفتها في زيادة الإنتاج هباء منثورا.
ليست تلك الأسباب وحدها هي التي تسببت في ارتفاع أسعار النفط والغاز. بل إن أسبابا سياسية أخرى تمثلت في خوف العالم الصناعي من تدهور الأوضاع أكثر مما هي متدهورة في الشرق الأوسط الذي يملك المنتجون فيه أكبر مخزون احتياطي في العالم يقدر بحوالي (600 مليار برميل) كان له أثرا كبيرا في زيادة الطلب على النفط وتخزينه. فخلال خمس سنوات أي منذ احتلال العراق (2003-2008) تضاعف سعر النفط أربع مرات (من30 دولار إلى 140 دولار). ومنذ حرب تموز (2006) تضاعف سعر النفط مرتين (من 70 إلى 140). يضاف إلى ذلك تخوف العالم من حرب ضد إيران سيكون لها أثرا كبيرا على تدفق نفط الشرق الأوسط الذي يشكل (40%) من نفط العالم.
إن أكثر الدول التي عرفت أن تستغل ارتفاع أسعار النفط لتحسين أوضاعها السياسية والمالية والصناعية والعسكرية هي روسيا التي استطاعت بفضل ارتفاع الأسعار أن تعيد تشغيل مؤسساتها، وتستعيد دورها كقوة عظمى على الساحة العالمية، وقد كانت قبل عشر سنوات تستجدي مساعدات الغذاء من ألمانيا وأمريكا والدول الغربية.
ومما يؤسف له أن بلدنا أخرى منتجة للنفط حققت ثروة كبيرة جدا من ارتفاع الأسعار، ما زالت بلدنا متخلفة بكل المقاييس، وفي كل المجالات: العلمية والفنية والتقنية والطبية والزراعية والصناعية، وحتى الرياضية. إذ لا زالت صناعات هذه الدول صناعات ملحقة وتابعة لشركات عالمية كبرى تصدر لها المواد الأساسية، ولا تمنحها سوى حق التعليب والتصريف في بلدانها، فلا أثر فيها لأي صناعات مستقبلية، أو مشاريع زراعية توفر لها ما تحتاجه من غذاء ودواء ولباس ومواصلات.
ليس هذا فحسب، بل إن عددا كبيرا من مواطني هذه الدول عاطلون عن العمل أو في بطالة مقنعة، يعتمدون في معيشتهم وجني أرباحهم وأموالهم على اسم وجهد العمالة الوافدة. أما الأغنياء ومتوسطي الدخل منهم فإنهم يصرفون قسما كبيرا من هذه الأموال على الملذات الذاتية ومستحضرات التجميل والكماليات، بينما دولهم لا تستثمر هذه الأموال بل تكدسها بلا طائل، أو تنفقها على شراء وتكديس الأسلحة التي لا يعود وجودها على شعبها بأي نفع.
إن النفط والغاز هما العصب الأساسي للحياة في هذه الأزمان. ولا يوجد مجال من مجالات الحياة قادر أن يستغني عنهما أو عن تطبيقاتهما، بدءا من المستشفيات إلى المدارس إلى دور العجزة، إلى زراعة القمح وتحويله إلى خبز، أو زراعة القطن وتحويله إلى ملابس، أو صناعة الأعلاف لتربية المواشي والثروة الحيوانية. فهما الأساس في توليد الطاقة الكهربائية، واستخراج المياه أو تحليتها. وهما الأساس للمشاريع الدوائية أو الصناعية أو الغذائية أو الزراعية التي لا بد لها كي تكون ناجحة من استخدام المكننة. وهما الأساس أيضا في إنتاج مواد البناء. دون أن ننسى أنهما شريان قطاع المواصلات.
لقد أدى ارتفاع أسعار النفط والغاز إلى ارتفاع أسعار كل السلع والمواد والخدمات والعقارات، وخاصة القمح والذرة والرز والخبز والزيت. وقد انعكس هذا الأمر بشكل سيء للغاية لا على أبناء الدول الأوروبية والأمريكية والصناعية القادرة أن تستعيد ثمن ما تدفعه، بل انعكس ضررا بالغا على أبناء الشعوب والدول الفقيرة العربية والإسلامية والآسيوية والإفريقية التي لا تجد ما تتدفأ به ضد برد الشتاء القارص، أو ما تأكله أو تلبسه، والتي لا يزيد دخل الفرد في بعض هذه الدول عن دولارين اثنين في اليوم، وربما أقل من ذلك في بعضها الآخر.
إنها بادرة طيبة من المملكة العربية السعودية أن تدعو إلى مثل هذا المؤتمر. ولكن على المؤتمر والدول المشاركة فيه، سواء أكانت منتجة للغاز والبترول أو مستوردة لهما، أن تتحمل مسؤولياتها نحو الدول والشعوب الفقيرة التي تشكل ثلاثة أرباع هذا العالم، وأن تضع الحلول الناجعة، لا أقول العودة إلى الأسعار القديمة، بل للتخفيف من حدة لهيب ونيران هذه الأزمة، خاصة وإن فصل الشتاء ليس ببعيد.
[email protected]
التعليقات