وميخائيل كما يوحنا اسمان مسيحيان بامتياز. وهما الاسم الحقيقي لوزير الخارجية العراقية الأسبق الذي استبدله إعلاميا، أو استُبدل له باسم ذي مدلول تاريخي إسلامي شهير، هو (طارق) مضافا إليه (عزيز) ليكون مقبولا عراقيا، وأظنه نوى إن رزقه ربه بطفل ذكر أن يسميه (زيادا). وهذا ما كان.
والتهمة الجديدة الموجهة هذه المرة لطارق عزيز، تهمة قوية دامغة موثقة بقرص مدمج، تقول: (عندما كان المدعو طارق عزيز في أحد اجتماعات مجلس الوزراء برئاسة صدام حسين في تسعينات القرن الماضي يتحدث عن اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة المكلفة بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل، طلب أحد المجتمعين التشدد مع خطباء الجمعة، ولم يعلق المدعو عزيز على ذلك الطلب- وكالات الأنباء).
نعم. طارق عزيز أو يوحنا أو ميخائيل- كما يفضل بعض من تغلبهم نوازعهم ودواخلهم أن يسميه، للإشارة إلى أنه ليس مسلما، بل نصراني- لم يعترض ولم يحتج، بل صمَتَ صمْتَ القبور ولم ينبث ببنت شفة! وكان حريا به دفاعا عن الديمقراطية العريقة، وحرية التعبير المتوارثة في العراق، وفي البلدان العربية والإسلامية..! أن (يسحل) أو يخطف أو يهجّر ذاك الباغي الداعي إلى تكميم أفواه خطباء المساجد، وإلى تقييد حريتهم، وحريات ورغبات الشعب العراقي، وقمع حقوقهم في الاختيار والتعبير والتفكير. فإن لم يستطع، فليقلب- غاضبا مستنكرا- طاولة الاجتماعات على رؤوس المجتمعين.! وإن لم يستطع، فليرد على أولئك الداعين إلى تسييس خطب الجمعة، ولو بخطاب دبلوماسي يدعم فيه حق الخطباء الدينيين بالتحريض والدعاء على مخالفيهم ليبدد الله شملهم، وييتم أطفالهم، ويرمل نسائهم.
كما كان عليه أن يدعم حق أولئك الخطباء في مساجدهم بتحريم الموسيقى والسينما، وقمع النساء وإجبارهم على الجلباب والحجاب، وتجريم المخالفين، وإهدار دمهم، وتكليف ميليشيات الجماعات الدينية بتهجيرهم وخطفهم وقبض فديتهم وقتلهم. وأن يدعو أيضا، ذاك المسمى طارق عزيز، إلى فصل الأحياء السنية عن الشيعية حفاظا على السلم الأهلي، وتوطيدا لأواصر المحبة بينهما. أما أن يصمت ميخائيل كما صمت، فتلك جريمة تستوجب الشنق، لأنها خارجة عن سياق المشاعر والتعاليم والتاريخ وال....
كنت أود لو أن كاتبا ضليعا بالتاريخ الإسلامي، دبج لنا مقالا يذكر فيه تاريخ خطب الجمعة منذ معاوية بن أبي سفيان، مرورا بإيران ولندن ومصر والجزائر والباكستان، إلى ما قبل تلك الجلسة المشؤمة التي صمت فيها ميخائيل يوحنا طارق عزيز، فتحولت بعدها تلك الخطب، من خطب لا تمت للسياسة بصلة، ولا تشحن المصلين، ولا تحرض على المخالفين بالمذهب والدين، إلى خطب سياسية تهدد وتتوعد وتهدر دماء المخالفين والمعارضين، وتدعو الله أن يطيل عمر مولانا الحاكم، ويديم سيفه وعصاه أبد الدهر على رؤوس المحكومين.
وكنت أود أيضا لو أن كاتبا يتقن فن المقالات الساخرة دبج لنا بقلمه اللاذع الجميل مقالا يصف لنا فيه حيثيات وملابسات التهمة الجديدة التي وُجهت مؤخرا للمتهم. ويضع لنا سيناريو استجواب النائب العام له، واعترافات ميخائيل التي ستوصله على أقل تقدير للأشغال الشاقة المؤبدة، إن لم نقل ستوصله لحبل المشنقة. ولا ندري حينها إن كان زعماء الجماعات الدينية المسلحة التابعة لأبناء وأشقاء وأقرباء الآيات والحجج، سيحضرون حفل الإعدام ليهللوا ويكبروا، ويقرأوا آيات النصر الذي انتزعوه من صدام بديمقراطيتهم، وقوة إيمانهم، شاكرين حامدين فضل ربهم ونعمته عليهم، راجين منه أن يقبل أضحيتهم التي يجب أن تكون هذه المرة صباح عيد الفصح المسيحي، لا عيد الفطر الإسلامي، نظرا لهوية الأضحية الدينية. وإن كانوا لا يطيقون انتظار موعد الفصح البعيد، فلتكن صباح عيد ميلاد المسيح، على أن يتوخوا الدقة في تحديد المذهب المسيحي الذي ينتمي إليه المحكوم الأضحية ميخائيل. كي يعرفوا أي التقويمين سيعتمدون لذبح الأضحية، الشرقي أم الغربي؟
مهما كنت متعاطفا مع أحكام الإعدام السابقة التي أصدرتها الأحزاب الدينية العراقية بحق رجالات العهد البائد، أو لا مباليا بشأنها. فلا بد لك أن تبتسم، وقد تضحك ملئ شدقيك من الاتهام الجديد الذي وجهه النائب العام العراقي للمتهم طارق عزيز. ولعل سيادة النائب العام قد صار على يقين أنه من الصعب تلبيس المتهم عزيز تهمة إعدام تجار عراقيين في بغداد عام (1992) لأن ثوبها واسع فضفاض على جسم المتهم، فكان لا بد له من إيجاد تهمة أخرى، لعلها تمر، أو لعلها تكون مقبولة في نظر البعض، حتى لو كان هذا البعض أحولا! فمن سيخضعهم للفحص، ويدقق في عيونهم؟
ورب متكهن يقول: إن السيد النائب العام الذي يدرك حالة البؤس والخيبة والمرارة التي يعاني منها الشعب العراقي، أراد أن يخفف عنهم، ويرطب شفاههم- التي تشققت قيظا وجوعا وخوفا- بابتسامة ولو كانت صغيرة، أو صفراء اللون، أو مرة الطعم.
أخيرا ليس السؤال إن كان طارق عزيز سيلحق بمن مات قبله على يد الجماعات الدينية. بل السؤال- استنادا إلى ما ينسبون للرسول (ص) من حديث: إذا كان (اليهود والنصارى فكاك المسلمين من النار) فهل سيكون ميخائيل يوحنا طارق عزيز فكاك قائده المهيب؟
[email protected]