كثيرا ما تساءلت عن السبب الخفي الذي يميز الجنسية العربية عن باقي جنسيات العالم! لماذا هي حلم مستحيل المنال لطالبيها؟ هل من ميزة تحتويها، وتتفرد بها على باقي الجنسيات؟ أي سر فيها؟ أيكمن سرها في عراقتها؟ أم لغتها؟ أم تميّز أهلها؟ هل تمنح الجنسية العربية حاملها وعدا بالمستقبل؟ أم أملا واطمئنانا في الحياة الدنيا والآخرة؟
لماذا القائمون عليها يضنون بها على طالبيها؟ هل يخشون أن يزاحموننا على سعادتنا وراحة بالنا؟أم على فقرنا وأميّتنا وتخلفنا ومشاكلنا؟
لماذا لا تستطيع المرأة العربية أن تمنح جنسيتها لزوجها وأولادها مهما أقاموا وأفنوا من العمر؟ بينما تستطيع المرأة الأجنبية أن تفعل ذلك مباشرة وبسهولة ودون عناء؟
لماذا يستطيع المهاجر الأجنبي أن ينال بسنوات قليلة الجنسية الأمريكية أو الأوروبية أو الأسترالية أو اليابانية، ويتساوى مع أهلها الأصليين، في الحقوق والواجبات، ويتمتع بحماية قوانين البلاد، وخيراتها في التعليم والعمل والمسكن الصحي، وضمانها الاجتماعي ضد المرض والبطالة والشيخوخة؟ ولا يستطيع هذا المهاجر أن ينال الجنسية العربية حتى لو أفنى شبابه وكهولته كادحا على أراضيها، ومات ودفن في فيافيها؟ ولا يستطيع أولاده أيضا الذين ولدوا على الأرض العربية وتزوجوا من بناتها أن ينالوا جنسيتها؟
لا بل لماذا- ونحن ندعو ونتطلع إلى الوحدة العربية ونتغنى بها- لا يستطيع الأردني أن ينال الجنسية المصرية، ولا التونسي أن ينال الجنسية اليمنية ولا حتى الصومالية، حتى لو عمل عشرات السنين وتزوج من بنات تلك البلاد وأنجب صبيانا وبناتا؟
لماذا يستطيع طفل من أب كيني مسلم أن ينال الجنسية الأمريكية؟ ولا يستطيع هذا الطفل (الكيني المسلم) أن ينال الجنسية العربية؟ هل لذلك علاقة بالكفر والإيمان؟ هل لذلك علاقة بالفكر والثقافة والقيم؟ هل لذلك علاقة بالتخلف والتحضر؟ هل لذلك علاقة بالمحبة والتسامح، والكراهية؟ هل لذلك علاقة باختلاف النظرة إلى إنسانية الإنسان، والعدل، والمساواة بين البشر؟
ألسنا خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح؟ ألسنا خير أمة تأمر بالمعروف، وتدعو إلى التآلف والتسامح والعدل والمساواة والتعايش وحقوق الإنسان، والمروءة والشهامة وإغاثة الملهوف؟ ألا نعرف، ونؤكد دائما أن الله خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف ونتعاون ونتعايش؟أم أننا ندّعي بما ليس فينا؟ ونضمر عكس ما نُظهر، ونقول ما لا نفعل، ونفعل خلاف ما نقول؟
لماذا استطاع (أوباما) الطفل الكيني المسلم أن ينال الجنسية الأمريكية- وهي بالمنظور الإسلامي جنسية مسيحية مشركة- ويتعلم في أكبر وأعرق جامعاتها، ويترشح للرئاسة الأمريكية، ويدعمه نصف الشعب الأمريكي، وقد يصبح- وهو الأجنبي الغريب- رئيسا لأكبر دولة في العالم؟ هل استطاع ذلك بسبب قلة الرجال في أمريكا؟
لماذا استطاع (ساركوزي) وكان طفلا عندما لجأ أبوه الهنغاري إلى فرنسا قبل خمسين عاما، أن ينال الجنسية الفرنسية، ويصبح رئيسا لجمهورية فرنسا، فرنسا التي أصبحت لغتها الجميلة لغة الثقافة في العالم. فرنسا التي شرّعت القوانين، وما زالت قوانينها الجزائية والمدنية مرجعا أساسيا لقوانين عشرات الدول. فرنسا اللوفر والفن والثقافة والأدب والشعر والعطور والأزياء، فرنسا الحرية التي منذ أكثر من مئتي عام- حين كنّا في سراديب العفن والظلام- هدمت الباستيل وأعلنت حقوق الإنسان، وأهدت أمريكا تمثال الحرية؟
لماذا استطاعت المرأة الإيطالية (سونيا) أن تنال الجنسية الهندية؟ وتصبح رئيسة حزب المؤتمر الهندي، حزب العظيم غاندي، أقوى وأكبر أحزاب البلاد الهندية، ولو شاءت لأصبحت رئيسة وزراء الهند، بلاد الحكمة والحكماء العريقة، التي يزيد عدد سكانها عن مليار نسمة؟
لماذا استطاع (كارلوس منعم) وهو عربي مهاجر أن يصبح رئيسا لجمهورية الأرجنتين؟ ولا يستطيع أرجنتيني أن ينال الجنسية العربية؟ ولا أن يصبح مواطنا عربيا، لا يعيره أحد بأصله وفصله؟ ولا يتهمه أحد كلما دق الكوز بالجرة، بالخيانة والتآمر والتحالف مع الأعداء بسبب أصله الأجنبي؟
لماذا لا تضمر هذه الأقوام التي نتهمها بالمادية والكفر وسوء الأخلاق والاستعمار واحتقار الشعوب، لماذا لا تضمر الكراهية والتعصب العرقي أو الديني أو القومي؟ ولا تميز بين مواطن وآخر. ولا تتهم (ساركوزي أو أوباما أو سونيا أو كارلوس منعم) بسبب آراءهم ومواقفهم، بالخيانة، أو التعامل مع الأعداء، أو عدم الغيرة على أهل البلاد والوطن؟
لماذا بسبب اختلاف في الرأي أو الدين أو المذهب يتهم الناس في بلداننا ويخونون بعضهم بعضا، وهم أصحاب حضارة روحية لا مادية كافرة كالغرب؟ ولماذا يعودون في اتهامهم إلى الجد السابع؟ لا بل الجد العاشر بعد المئة؟
لماذا يتعامل الناس في بلداننا- وجميعهم مواطنون أبا عن جد وأصحاب حضارة روحية كما يقال- على أن هذا مواطن أصيل، وذاك مواطن تقليد؟ أو أن هذا مواطن من الدرجة الأولى، وذاك مواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة أو العاشرة؟
ولماذا يظن بعض الناس في بلداننا العربية لهذا السبب أو ذاك، أن لهم في الوطن أكثر مما لغيرهم فيه؟ ويحق لهذا ما لا يحق لذاك، ولتلك الفئة ما لا يحق لغيرها؟ ولماذا تحمي بعض القوانين هذا المواطن أو هذه الفئة أكثر مما تحمي غيره من المواطنين أو الفئات؟
هل هي مسألة تخلف وتحضر؟ أم مسألة فكر وثقافة وقيم وتربية وتعليم وموروثات؟
[email protected]
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات