إننا جميعا (على جانبي المتوسط) لدينا الرغبة ذاتها في الحياة وحب الحياة، ولدينا الحاجة ذاتها للعيش بسلام. وإذا كان حضور المؤتمر مجازفة، فإن حبنا للحياة ورغبتنا في العيش بسلام تستحق منا هذه المجازفة مهما كان حجمها. وكما أنهى الأوروبيون الحرب في أوروبا، فإننا عازمون على إنهاء دوامة الحرب المتواصلة منذ أمد طويل في الشرق الأوسط. وكما بنيا سلام أوروبا، سنبني سلام المتوسط.
بمثل هذه الكلمات المفعمة بالتفاؤل والأمل افتتح الرئيس الفرنسي قمة quot;الاتحاد من أجل المتوسط quot; التي سعى ودعا إليها، والتي ضمت عددا كبيرا من القادة العرب والأوروبيين. وإن كان ثمة شك في أن هذه القمة ستعيد للرئيس الفرنسي- على المستوى المحلي- رصيده الشعبي السابق، فإن ما لا شك فيه أن هذه القمة التي ستكون دورية (مرة كل سنتين) ستعزز موقع فرنسا على المستوى العربي والأوروبي والدولي. خاصة وإن مهمتها إقامة شراكة بين المقيمين على جانبي المتوسط، وإطلاق مشاريع للتنمية الثقافية والسياسية والاقتصادية تشتد الحاجة إليها كثيرا لدى سكان جنوب المتوسط الذين يعانون ما يعانون من مشاكل في البطالة والتعليم والصحة والسكن والرغيف. والذين رغم كل هذا يتزايدون ويتكاثرون دون أي إدراك أو مبالاة بواقعهم ومستقبل أبنائهم. إذ أن عدد سكان جنوب المتوسط- كما قال الرئيس مبارك- يبلغ اليوم (272 مليون نسمة) وسيبلغ (332 مليون نسمة) عام (2030) وسيصل إلى (379 مليون نسمة) عام (2050).
صحيح أن الفجوة بين سكان ودول شمال المتوسط، وبين سكان ودول جنوبه، فجوة عميقة وواسعة بعمق واتساع البحر الذي يفصل بينهما. ولكنها ستزداد عمقا واتساعا إن بقى الوضع على ما هو عليه. فالاختلاف الثقافي بما يشمله من عادات وتقاليد وأسلوب حياة، اختلاف كبير وعميق تنعكس صوره في عدم قدرة أو عدم رغبة المهاجرين الاندماج في المجتمع الأوروبي. والاختلاف بين سكان الشاطئين في مستوى التعليم والإنفاق على المدارس والجامعات، وعدد المتعلمين والأميين اختلاف كبير. والاختلاف في المستوى الصحي والإنفاق على الصحة بين الجانبين كبير، والاختلاف في مستوى المعيشة ودخل الفرد اختلاف جد كبير أيضا. وأخيرا وليس آخرا الاختلاف بين الجانبين في تقدم وتخلف الزراعة والصناعة والتكنولوجيا والفنون والصحافة، وفي احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان اختلاف شاسع وكبير.
وصحيح أيضا أن العقبات التي تواجه هذه الشراكة، والمشاكل التي تعترضها كثيرة ومعقدة. على رأسها القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي الذي أبقى منطقة جنوب المتوسط في حالة توتر دائم وعدم استقرار، وموقف الغرب الأوروبي الذي يختلف كثيرا عن موقفنا من هذا الصراع، ومن إسرائيل، ومن وقضية عودة اللاجئين الفلسطينيين. إضافة إلى مشكلة الصحراء الغربية التي أدت تبعاتها إلى حالة من العداء مستمرة منذ أكثر من ثلاثين عاما بين دولتين متوسطيتين عربيتين (المغرب والجزائر). زد على ذلك مشكلة قبرص بين تركيا واليونان الدولتين المتوسطتين. دون أن ننسى المشاكل التي تنشأ بين الحين والآخر فيما بين الدول العربية المتوسطية.
ولكن بالرغم من ذلك كله، فإن حب الحياة، والرغبة في العيش بسلام وأمن واطمئنان، والإرادة الصادقة لشعوب الشمال والجنوب- إن توفرت- ستكون كفيلة بجسر الهوة التي تفصل بين سكان الشاطئين، وستكون كفيلة بتذليل وتجاوز كل الصعاب والعقبات.
بالإضافة إلى الغاية الأساسية التي انعقدت من أجلها قمة quot;الاتحاد من أجل المتوسطquot; فقد كان مناسبة ملائمة لعقد لقاءات بين الرؤساء المشاركين، وكان مناسبة لإعلان سوريا عن قرب إقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان، وتبادل الزيارات بين الرئيسين السوري واللبناني، ومن ثم دعوة الرئيس اللبناني لزيارة سوريا. ولعل quot;الاتحاد من أجل المتوسطquot; سيعزز فرص قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي. كما لعله سيعزز فرص حل مسألة الخلاف حول الملف النووي الإيراني عبر الرئيس الأسد الذي تعهد بنقل آراء زعماء شمال المتوسط إلى إيران. ولعل quot;الإتحادquot; أيضا سيعزز فرص نجاح محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل التي تجري الآن بشكل غير مباشر عبر تركية.
إن من شأن معاهدة سلام بين سوريا وإسرائيل أن يغير وجه المنطقة العربية كلها- لا بل وجه الشرق الأوسط بكامله- الذي لم تستطع تغيره، ولم تستطع إنهاء حالة اللا حرب واللا سلم في المنطقة، لا معاهدة السلام المصرية الأردنية الإسرائيلية، ولا اتفاقات أوسلو، ولا المحادثات التي ما زالت مستمرة منذ أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا العلاقات الأخرى العربية الإسرائيلية، السرية والعلنية والخجولة، الدبلوماسية والتجارية. لا بل إن كل تلك المعاهدات والاتفاقيات والمحادثات والعلاقات قد زادت الأمر سوءا وتعقيدا وتوترا.
[email protected]